بقلم : إنعام كجه جي
لا تدري، هل تغضب منه وتشتمه أو ترثي له؟
تبدو حكاية الأسير البدوي كايد فرحان القاضي رواية مكتملة الأركان، تصلح لأن تكون فيلماً يجمع ما بين الجانب الإنساني والسياسي. حين يكون العيش محكوماً بالشرط الأقسى.
هذا الرجل من أهالي رهط، أكبر القرى البدوية في صحراء النقب. كان يعمل حارساً في مستوطنة يهودية قرب غزة حين فوجئ بهجوم مقاتلي «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي واقتياده مع من اقتيد من رهائن.
رجل في الثانية والخمسين يجد نفسه أسير أبناء قومه ومحسوباً على العدو. يا لورطتك يا كايد. أنت بين المطرقة والسندان، لا تعرف هل ينتظرك الموت أو تنجيك الرأفة. واحد من مئات الآلاف من العرب الموجودين في فلسطين المحتلة في حرب 1948. تمسكوا بأراضيهم ولم يغادروها. يحملون الهوية الإسرائيلية ويضطرون للعمل مع اليهود في الوظائف أو الأعمال اليدوية: الزراعة والخدمات وبالأخص في البناء.
يعيل كايد أسرة من 11 ابناً وبنتاً. كائن مجهول تحوّل بين ليلة وضحاها إلى الخبر الأول في النشرات. زعم الجيش الإسرائيلي أنه حرره من الأسر في عملية نوعية. ولم تعلق «حماس» على الموضوع. هل ضاق محتجزوه به وبمتطلبات حراسته وإطعامه وتطبيبه؟ هل هرب في لحظة فوضى؟
ما نعرفه أن إسرائيل استخدمت كايد فرحان لتبثّ دعايتها عن ديمقراطيتها التي لا تفرّق بين مواطنيها، مهما كان دينهم. وهو نفسه لم يصدّق نفسه حين سمع نتنياهو يتصل به هاتفياً وهو في المستشفى ويجري بينهما الحوار السوريالي التالي:
- أنا رئيس الوزراء على الخط.
- أهلا وسهلاً يا بيبي يا أبو يئير.
وبيبي هو اسم التدليل لبنيامين. خاطبه به كايد ودعاه لزيارة بلدة رهط. وللعلم فإن رهط هي القرية التي قدمت الدعم الأكبر من المعونات لأهالي غزة. ربما لم يكن متاحاً للأسير البدوي أن يتابع الشاشات ويرى الجرائم التي ارتكبت هناك والأحياء الكاملة التي هدمت على رؤوس أهاليها. لكنه حتماً يعلم أن في صحراء النقب 40 قرية يسكنها العرب البدو ولا تعترف بها إسرائيل ولا تمدها بالماء والكهرباء. يداهمها الجيش بين فترة وأخرى ويقوم بهدمها وتهجير سكانها. يعود المهجّرون إلى قراهم يبنونها من جديد. لا ينتظرون اعترافاً من الديمقراطية الرسمية.
إلى أي حرية خرج الأسير الذي كان بين يدي أبناء جلدته، يتكلم لغتهم ويفهم نضالهم ويقيم الصلاة معهم؟ إن محنته توازي محنتهم. انتقل من نفق إلى سجن أكبر. فعدد البدو في النقب 317 ألفاً من مجموع مليوني عربي. لا تفرض إسرائيل عليهم الخدمة العسكرية لكن بينهم من يتطوع لها. يلتحق بما يعرف بالكتيبة البدوية وتعدادها اليوم 1500 مجند، يعمل معظمهم قصّاصي أثر لخبرتهم في مسالك الصحراء.
وخارج الفذلكة الروائية، في أي خانة نضع كايد فرحان القاضي؟