توقيت القاهرة المحلي 08:15:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا وسيناريو التقسيم

  مصر اليوم -

ليبيا وسيناريو التقسيم

بقلم : جمعة بوكليب

 

حين تكون ليبيّاً، أينما كُنتَ وحيثما حَللتَ، لا بُدّ أن تشعرَ بغُصّة في قلبك، من المآل الذي آلت إليه الأوضاع، في تلك البقعة الجغرافية من العالم. صبرنا نفد. ثرواتنا نُهبتْ. حُدودنا انتهكتْ. وسيادة أراضينا تتلاشى، ووحدة بلادنا تتفكَّك. ورغم ذلك، ما زلنا في أعماق قلوبنا لم نقطع ارتباطَنا بالأمل، وما زلنا نَعضُّ عليه بالنواجذ، لإيماننا وقناعتنا بأنّ دوامَ الحالِ من المُحالِ.

إلا أنَّ الحقائق على الأرض، وما نرصده يحدث من حوادث وأزمات متتابعة، تصدمنا وتسبب في ارتباكنا، وتؤدي إلى انخفاض سقف توقعاتنا، وتزيد في حيرتنا، وتفاقم من مخاوفنا، يوماً إثر آخر، مما يجعل ذلك الخيط المتبقي من ضوء فتيل الأمل داخلنا يصير شحيحاً حتى إنه لا يكاد يبين، ونحسُّ بالخوف يزحف في صدورنا مقتحماً ما تبقى من طمأنينة نفوسنا، لعلمنا بأن زيت فتيل الأمل على وشك النفاد، واقتراب حلول ظلام دامس.

قد يرى البعضُ أن هذه قراءة متشائمة، ولا تتسق مع شدّة الإيمان بضرورة تغيّر الأحوال، وأن المسألة تتوقف على الزمن، والصبر على المكروه، وعدم الاستسلام لليأس والركون إليه.

لستُ شخصاً متشائماً. لكنّي أرى بعينيَّ التشاؤمَ يتقدم حثيثاً على حساب التفاؤل، ويعزز مواقعه بسرعة في القلوب والعقول. ومن الممكن رصد ذلك فيما ينشر من آراء وتحليلات سياسية بأقلام ليبية عن الأزمة، في مختلف وسائل الإعلام. كما يمكن ملاحظته في سلوك وتصرفات الليبيين عموماً، وفيما يستجد في قاموسهم اللغوي من مفردات ليس من الصعب استجلاء معانيها ودلالاتها، وكذلك تزايد مساحات الحيرة التي تسكن في نظرات عيونهم، والأسئلة التي تتفاقم في أذهانهم، يوماً بعد آخر، ولا تجد إجابات. المفارقة، أن الأمور على السطح تبدو هنية مرضية.

السؤالُ الأكثر حضوراً، هذه الأيام، يتمحور حول وحدة الأراضي الليبية. ومن الأخير، هناك خوفٌ يتصاعد من أن تؤدي الوضعية الحالية من الخلافات إلى تقسيم ليبيا إلى دولتين، وربما إلى ثلاث. هناك كثير من المؤشرات المعززة لهذا الرأي ولأصحابه. لعل آخرها في نظري وأكثرها وضوحاً، ما تبدّى عقب انتهاء معرض النيابة العامة للكتاب بطرابلس، في أواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول). التسريبات التي وصلت إليّ مثيرة جداً للقلق. فقد هاتفني أحد الناشرين الليبيين ذات مساء، وأعلمني بأن الناشرين العرب الذين حضروا وشاركوا في المعرض المذكور، أرادوا المشاركة في معرض للكتب يقام في مدينة بنغازي. إلا أنهم أُبلغوا بأن تأشيرات دخولهم إلى ليبيا الممنوحة لهم من قبل حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس غير معترف بها، وعليهم تقديم طلبات تأشيرات جديدة إلى حكومة بنغازي إن أرادوا المشاركة!!

ولولا ثقتي بصديقي الناشر الذي هاتفني لما صَدّقت الخبرَ. والخبرُ، في الوقت ذاته، لا يترك فسحة للتخمين أو فرصة لحسن الظنّ، ويؤكد أن سيناريو التقسيم يزداد رسوخاً وتوطداً على أرض الواقع. وإذا رأى البعض في ذلك مبالغة في التفسير تقتات على التشاؤم، فنحن على أتم الاستعداد لقراءة أو سماع تفسيراتهم إن وجدت، لعلها تفيد في إضاءة ما خفي من تفاصيل لم تبدُ لنا واضحة، وهم على دراية بها. وما لم يقوموا بذلك، فسيظل التفسير المذكور أعلاه، لذلك التصرف غير المتوقع، والغريب والمستهجن، هو الممكن والأقرب للحقيقة. وهذا المثال ليس إلا واحداً من عدة أمثلة، ولا يتميّز عنها، إلا بكونه الأكثر وضوحاً، عما يضمر من نيات، وما يتم التخطيط له وراء أبواب مغلقة، وبالتنسيق مع دول أخرى، بما يتسق وأطماعها في ليبيا وحماية وتطوير ما حققته من مصالح خلال الأعوام الماضية.

الليبيون على الجُملة لن يربحوا من تقسيم بلادهم إلى دولتين أو ثلاث، لأن تفتيتها يقود إلى كوارث قد لا تبدو للعيان واضحة حالياً على حقيقتها. وهم يعرفون ذلك، ويدركون حقيقة ما يحاق بهم وببلادهم من أطماع وشرور تتربص من جهات عدة، تتحيّن الفرصة للانقضاض. وفي الوقت ذاته، يعلمون بأن من فرضوا الوضعية الحالية ويحرصون على استمرارها، سعياً إلى التقسيم، لديهم حسابات ومنافع شخصية تتعارض مع حسابات الليبيين ومنافعهم. وامتلاكهم للسلاح يمنحهم الفرصة، ويرجح كفّتهم. وندعو الله القدير أن يحبط تدبيرهم، ويجعل كيدهم في نحرهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا وسيناريو التقسيم ليبيا وسيناريو التقسيم



GMT 03:52 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

اكتساح حلب قَلبَ الطَّاولة

GMT 03:48 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

جاءوا من حلب

GMT 03:31 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

... عن الانتصار والهزيمة والخوف من الانقراض!

GMT 03:27 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 03:24 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 03:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بعيداً عن الأوهام... لبنان أمام استحقاق البقاء

GMT 03:07 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

جاري الشاعر

GMT 02:38 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عز الشرق أوله دمشق

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 17:41 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
  مصر اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:46 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تواصل النجاح على المسرح بعد السينما
  مصر اليوم - منة شلبي تواصل النجاح على المسرح بعد السينما

GMT 04:49 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

"الأرصاد المصرية " تعلن عن درجات الحرارة المتوقعة الأربعاء

GMT 03:57 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

توماس توخيل يتوج بـ11 لقبًا قبل بداية مشواره مع منتخب إنجلترا

GMT 12:10 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

صدام جديد بين مانشستر يونايتد وليفربول في كأس الاتحاد

GMT 12:38 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

تفاصيل القبض على والد طفلة التعرية في الدقهلية

GMT 07:05 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

تعرف على أبرز 5 أسباب للشعور بالتعب طوال الوقت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon