توقيت القاهرة المحلي 10:21:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شفاه الليبيين لا تنبس بلفظ السيادة

  مصر اليوم -

شفاه الليبيين لا تنبس بلفظ السيادة

بقلم : جمعة بوكليب

 

مهما تعاظم الاختلاف بينها، تتشابه العواصم في كونها –تاريخياً- مراكز القوة والسلطة والمال والعلم والثقافة. بعضها ضارب بجذور في التاريخ، وبعضها الآخر وليد الأمس القريب. بعض العواصم تفقد حصانتها ومنعتها ومكانتها التاريخية لأسباب عدة، وتتحول إلى مجرد مدن عادية، تضاف إلى قائمة طويلة جداً من مدن العالم. وكأن لقب «عاصمة» بمثابة تاج يزيِّن رأس مدينة، ويميِّزها عن غيرها من المدن، كما تزيِّن التيجان رؤوس ملوك وملكات.

التعريف أعلاه، أحياناً يتسع ليشمل إضافات تُطلَق على مدن أخرى ليست عواصم، كأن يقال إن المدينة الفلانية عاصمة الجمال، أو الذهب، أو صناعة من الصناعات، أو عاصمة العلم الحديث... إلى آخر الأسماء والأوصاف.

العاصمة الليبية طرابلس لم تكن يوماً عاصمة للجمال، ولم يُعرَف عنها أنها عاصمة للعلم والأدب والثقافة، أو لصناعة الذهب مثلاً... إلخ. ولم تكن -لدى المقارنة بغيرها من عواصم العالم- تتميز بشيء يجعلها دُرَّة فريدة. قد يرى البعض أنها مدينة عتيقة، ضاربة بجذور في التاريخ، وهم محقُّون في ذلك؛ لكنها ليست الوحيدة. والتاج الذي يزيِّن رأسها، ويجعل منها عاصمة لليبيا، يبدو -عند المقارنة بتيجان لندن أو باريس أو القاهرة أو أثينا- لا يُرى من شدة صغره. فلماذا إذن يتقاتلون من أجل الاستحواذ عليها؟ وكيف لا تُترَك لحالها، كي تنعم بالعيش في سلام وأمان؟

سكانها تعبوا وملُّوا من كثرة الحروب، واختصروا مطالبهم في مطلب واحد: خذوا لقب العاصمة، واتركوا لنا طرابلس! إلا أنَّ مطلبهم، إلى حدِّ الآن لم يجد آذاناً مصغية. وما زال المسلحون -بمختلف الأسماء والرايات- يقسِّمونها مناطق وجهات نفوذ، ويُحكِمون سيطرتهم عليها إلى حدِّ الاختناق. وعلى حدودها يتخندق آخرون متربِّصين في انتظار أن تتاح لهم فرصة.

طوال تاريخ طويل، يمتد منذ تأسيسها على أيدي الفينيقيين إلى يوم الناس هذا، وطرابلس تتحول متنقلة من قبضة إلى قبضة، ومن استعمار إلى آخر، تدخلها جيوش لتحلَّ محلَّ أخرى منسحبة مهزومة. الأتراك فقط تمكنوا من البقاء فيها لمدة أربعة قرون تقريباً، وتركوها قسراً للاستعمار الإيطالي؛ لكنهم خرجوا من الباب منسحبين في عام 1912، وعادوا إليها من الباب نفسه مدعوِّين في عام 2020، بطلب من رئيس الحكومة السابق فائز السراج، مدعوماً بـ«الإخوان المسلمين». ولديهم حالياً قواعد عسكرية وبحرية وجوية لا تخضع للقوانين الليبية، في وضعية مشابهة لما كانت عليه قاعدة «هويلس» الأميركية قبل عام 1970. الاثنان وُجِدَا تحت صيغة متعارف عليها تُدعَى الحماية. وتجارب التاريخ -على تنوعها- تؤكد حقيقةً تتكرر في مختلف الحقب، وهي أن الجيوش التي تأتي استجابة لطلب الحماية، لا تخرج وفقاً لطلب الدولة التي جاءت لحمايتها لدى انتهاء المهمة؛ بل تتريث وتتلكأ كثيراً في العودة إلى المكان الذي جاءت منه، حتى تتمكن من نيل ما جاءت لتحقيقه.

سكان المدينة الذين يتجاوزون ثلاثة ملايين نسمة، لا يكترثون بحقيقة أن عاصمتهم طرابلس لم تعد ملكهم ولا تحت سيادتهم. تراهم في مختلف المدينة وشوارعها يملؤون المقاهي، ويرتادون الأسواق، وتعجُّ بهم وبسياراتهم الطرق، من دون أن تنبس الشفاه بلفظ السيادة، أو لفظ احتلال. البعض يتغاضون عن ذلك بحجة أن الأتراك أنقذوا طرابلس من السقوط بين براثن ومخالب حكم عسكري آخر لا يختلف عن السابق. وهو أمر لا يختلف حوله عاقلان. في الحين الذي يرى فيه آخرون قلة أن الاحتلال لا يجثم بكلكله على طرابلس فقط؛ بل على كل ليبيا. وهو أمر لا يختلف حوله عاقلان أيضاً. ويقصدون بذلك الوجود العسكري الروسي في شرق البلاد.

الساسة كثير منهم مخادعون. ومثل حواة مَهَرة، يجيدون اللعب باللغة، وصياغة معانيها بما يتماشى مع غاياتهم، بحيث يمررون أهدافهم من دون إزعاج أو تخويف للسامعين أو القارئين. والهدف من ذلك هو التمويه وإخفاء الحقائق. وغالباً ما ينجحون في ذلك؛ خصوصاً حين يكون السامعون على استعداد نفسي لتصديقهم، ولا وقت لديهم لتمحيص ما يسمعون ويقرؤون. وهو -في رأيي- ما ينطبق على الليبيين حالياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شفاه الليبيين لا تنبس بلفظ السيادة شفاه الليبيين لا تنبس بلفظ السيادة



GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

GMT 08:02 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 08:01 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 08:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

سوريا واللحظة الحرجة!

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ترمب ــ «بريكس»... وعصر القوى المتوسطة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon