توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا... أحزابٌ في حقائب

  مصر اليوم -

ليبيا أحزابٌ في حقائب

بقلم:جمعة بوكليب

بعد نجاح الانقلاب العسكري في شهر سبتمبر (أيلول) 1969 في ليبيا، بقيادة العقيد معمر القذافي، كان من أول قرارات مجلس قيادة الثورة منع الأحزاب السياسية وحظرها، واعتبار «من تحزّب خان». السؤال: خانَ من؟ وضع على الرّف.

الذين لا يعرفون الوضع السياسي الليبي قبل ذلك التاريخ قد يذهب بهم الاعتقاد إلى أن الأحزاب السياسية آنذاك، وقبل ذلك الحظر سيئ الصيت، كانت جزءاً من المعمار السياسي الليبي، ومرحّباً بها، وموجودة، وتمارس نشاطاتها الحزبية. وفي الواقع، فإن النظام الملكي سبق النظام العسكري في عدائه للأحزاب، وقام بحظرها ومنع تواجدها ونشاطاتها بعد أول انتخابات نيابية بعيد الاستقلال. ذلك القرار بالحظر دفع بالأحزاب إلى الاختفاء من أرض الواقع، إما بحلّ نفسها، أو بالتوجه نحو العمل السرّي. هذا من جهة.

من جهة أخرى، ترى أستاذة علم السياسة، الأميركية ليزا أندرسون، أن هناك قاعدة عامة تحكم علاقة الأحزاب بالنظام القائم في أي بلد. فإذا كان النظام القائم ديمقراطياً كانت أحزاب المعارضة ديمقراطية، والعكس صحيح. والأحزاب التي ظهرت وعملت سرّياً في الداخل، أو علنياً في الخارج، تأسست على نسق النظام العسكري القائم آنذاك، وكأنها نسخة منه. حيث القائد الزعيم والمنقذ والمحرر الذي ينفرد بسلطة القرار، ومن حوله يلتف مريدون ومصفقون، ولا مكان لمعارض له بينهم، ومن يشاء معارضته عليه الانسحاب من الحزب، وممارسة المعارضة من خارجه!

العمل السرّي، والمنع من التواجد فوق الأرض، لم يكونا كافييْن لردع البعض من المخاطرة، وتأسيس أحزاب برايات مختلفة. ووجدت تلك الأحزاب فرصتها وممارسة نشاطاتها في الداخل سرّياً على حياء، والخارج علنياً وبجرأة؛ ذلك أن عديداً من النشطاء السياسيين اختاروا الإقامة في المنافي، في دول الجوار أو في أوروبا وأميركا. خلال سنوات الحكم العسكري، تمكن النظام من خلال أجهزته الأمنية من اختراق العديد من أحزاب المعارضة في الخارج، وزرع العديد من عناصره داخلها، وعلى أعلى المستويات. كما عمل على شراء البعض من القيادات بالأموال. ومن فشل في استقطابهم بالأموال سعى إلى تصفيتهم جسدياً.

بعد سقوط النظام العسكري في فبراير (شباط) 2011، شهدت ليبيا طفرة في ظهور الأحزاب. تلك الطفرة لم تكن حكراً على ليبيا، بل شهدتها دول عديدة، خاصة في دول أوروبا الشرقية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي.

من سمات تلك الطفرة الحزبية طفو أعداد كبيرة من الأحزاب على السطح فجأة، أغلبها معلق في الهواء، أي بلا جذور أو أنصار أو رؤية ومنهج. مجرد يافطات تحمل أسماءً وشعارات فارغة بلا معنى، يقف وراءها أشخاص انتهازيون في الأغلب، يريدون الحصول على نصيب من كعكة تتناهبها الأيدي. وليبيا لم تكن استثناءً.

الفقاعة الصابونية الحزبية التي ظهرت بعد فبراير 2011 تلاشت في الهواء سريعاً، كما هو متوقع، ولم يبق في الساحة سوى حزب «الإخوان المسلمين»، كقوة حزبية منظمة وفاعلة، بكوادر حزبية مؤطرة، وبأهداف سياسية واضحة، وتمكنوا من التسلل إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والإعلامية. من الممكن الإشارة إلى المجلس الأعلى للدولة كمثال.

السؤال عما حدث لبقية الأحزاب الأخرى المسجلة بوزارة العدل، وتجاوز عددها الخمسين حزباً، ليس في حاجة إلى عناء البحث عن إجابة. وباستثناءات قليلة - حزب السلام والازدهار على سبيل المثال، برئاسة محمد خالد الغويل - لم يعد لها وجود واختفت بأسرع مما ظهرت. ولا يبدو لها حضور واقعي إلا من خلال البيانات الباهتة التي يصدرها مؤسسوها، من حين لحين، في مختلف المناسبات، تذكيراً بأنهم ما زالوا أحياءً، وما زالوا يطمعون في حصة من الكعكة. لكنها على الواقع، مجرد أحزاب ورقية، بمقرات حقائبية، بداخلها أختام وأوراق تحمل شعارات براقة، يتنقل بها أصحابها من موقع إلى موقع، ولا شيء آخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا أحزابٌ في حقائب ليبيا أحزابٌ في حقائب



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon