توقيت القاهرة المحلي 10:37:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليبيا: لا نهاية للنفق

  مصر اليوم -

ليبيا لا نهاية للنفق

بقلم:جمعة بوكليب

مدينةٌ ليبية تقعُ على بُعدِ 42 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس، اسمها «الزاوية»، يعيش فيها أكثر من نصف مليون نسمة، وتعدُّ مدينة مخطوفة، وسكانها رهائن في أيدي عصابات تهريب البشر والوقود والمخدرات. وهي مدينة زراعية ساحلية، بها مرافئ صغيرة لمن يعملون بمهنة صيد السمك، وبها مصفاة نفط. الوضع الأمني بالمدينة يشبه، إلى حد بعيد، الأوضاع الأمنية لكثير من مدن بلدان أميركا الجنوبية المخطوفة من قبل عصابات مهربي المخدرات.

خلال الأسبوع الماضي، ونتيجة لمعاناة سكانها، وافتقادها للأمن والأمان نتيجة تعدد كوارث الاقتتال بين مختلف العصابات على الغنائم والنفوذ والمواقع فيها، وما تسببت فيه ذلك من إزهاق لأرواح الأبرياء، وتدمير للممتلكات، قرّر المجلس الرئاسي، وحكومة طرابلس تجريد حملة عسكرية للقضاء على العصابات.

قبل تحرك القوات، قائد الحملة العسكرية الموكل بالمهمة، ولطمأنة أهلها، التقى بأعيان المدينة ومشايخها وأبلغهم بهدف الحملة. وتناقلت الخبر وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت.

اللافت للاهتمام، ومن واقع الخبرة والتجارب، أن حملات المداهمة للعصابات من هذا النوع تتم في سرّية كاملة، وتعتمد على عامل المفاجأة. وبالتالي، نشر الخبر كان بمثابة تحذير وتنبيه للعصابات بأخذ الحيطة. وكأن العصابات الإجرامية أعطيت قصداً الفرصة لتفادي المواجهة، والقيام بكل التدابير اللازمة والكفيلة بعدم تعرّض أفرادها وممتلكاتها لأي خسائر!

وبناء على ذلك، كان التوقع السائد هو أن القوات المغيرة ستعود أدراجها مثلما جاءت، أي خاوية الوفاض، ولن تحقق الهدف المرجو والمأمول. وحتى الآن، ما زالت الحملة مستمرة، وفق ما يصدر من بيانات، من دون ما يؤكد على إنجاز المهمة بتلك المواقع المنتشرة في المدينة، واعتقال أفراد العصابات. وكأن الحملة لا تتعدى أن تكون فرقعة إعلامية، بهدف تحويل أنظار المواطنين من قضايا أخرى ملتهبة.

تهريب الوقود المستورد من الخارج تجارة رائجة ورابحة، كونه يباع بسعر زهيد للمواطن؛ لأنّه مدعوم من الخزينة الليبية، ويكلفها سنوياً أكثر من 10 مليارات دولار أميركي. عصابات التهريب الليبية تقوم بعملياتها بالتنسيق والتعاون مع عصابات من تونس وإيطاليا ومالطا. البنزين الليبي المستورد، يجده المرء يباع على قارعة الطريق البري بمجرد تجاوز الحدود الليبية إلى تونس. وتقوم قوارب صيد كبيرة مجهزة بخزانات بتهريبه عبر البحر إلى مالطا. عمليات البيع تتم في منتصف المسافة البحرية الفاصلة بين البلدين.

القائمون على عمليات تهريب النفط في الجانب الليبي، في مدينة الزاوية، ليسوا بخافين على أحد. وهم معروفون لجميع الأجهزة الأمنية في المدينة وخارجها، لكن لا أحد يستطيع الاقتراب منهم، لأسباب معروفة، أبرزها تورط أسماء كبيرة في العمليات.

الأسوأ من ذلك أن حكومة طرابلس، في السنوات الأخيرة، دأبت على منح تراخيص فتح محطات بيع وقود من دون حساب أو رقيب، وبأعداد مريبة، وفي مناطق شبه خالية من السكان، لا تبعد عن الحدود التونسية سوى كيلومترات قليلة. وكأنها بذلك تسهل على المهربين عملياتهم.

ولأن الحكومة ليس في مستطاعها التعرض لقادة عصابات تهريب الوقود، عبر الحدود البحرية والبرية، لجأت إلى تبنّي سياسة قديمة ومجرّبة تعرف باسم سياسة «معاقبة الحمار المربوط»، بدل معاقبة الحمار السائب الذي يعيث في حقول الزرع فساداً.

المقصود بالحمار المربوط في السياسة المتبناة هو المواطن المسكين. والعقاب يأخذُ مناحي عدة، أكثرها شيوعاً تحميله دفع قيمة البنزين المُهرّب، أي بالسعي إلى رفع سعر بيعه في محطات الوقود. وبذلك كفى الله الحكومة شرّ الدخول في مواجهات عسكرية مع جماعات مسلحة، تابعة للدولة على الورق فقط.

النقاش والجدال لا يتوقفان، حول الكيفية التي يتم بها التعامل مع القضية. هل برفع سعر لتر البنزين في المحطات، أم بوقف دعم الحكومة للبنزين المستورد، وتعويض المواطنين مالياً ليتم القضاء على التهريب؟

من الواضح أن وقف الدعم الحكومي عن البنزين المستورد ليس في أجندة الأجهزة الحكومية ذات الصلة، لوجود رفض شعبي لا يمكن تجاهله. ولذلك، لا يبقى أمام المسؤولين من حلول سوى اللجوء إلى الحل الأسهل، وهو معاقبة المواطن، بتحميله مالياً عبئاً إضافياً يزيد في ثقل أحماله، ويفاقم من معاناته، ويزيد من تنغيص آلامه وسوء أحواله، في بلد ينام ويصحو فوق بحيرة نفط، ويعدُّ من أغنى الدول في القارة الأفريقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا لا نهاية للنفق ليبيا لا نهاية للنفق



GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

GMT 08:18 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon