توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

... وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

  مصر اليوم -

 وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ

بقلم:جمعة بوكليب

حُسْنُ الحظِّ الذي كان وراء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة باستقلال ليبيا يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) 1951، لازم ليبيا فترة زمنية قصيرة نسبياً، ثم تخلى عنها فجأة، وغاب ضائعاً في طرق أخرى بمنعطفات كثيرة. الذكرى الثالثة والسبعون لذلك اليوم البهيج صادفت يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، مثيرة الآلام في القلوب، وفي النفوس حسرات.

ذلك اليوم البعيد والمجيد، لم يكن هديّة مجّانية كما يظهر للباحثين والدارسين في وثائق الأمم المتحدة، بل جاء عبر نضال سنين طويلة، قضاها الليبيون تحت قسوة ووحشية استعمار أوروبي فاشي، منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 1911، ولم ينتهِ إلا شهر في يناير (كانون الثاني) 1943 بدخول قوات الحلفاء منتصرة إلى طرابلس.

واحد من شعراء تلك المرحلة الشيخ المرحوم أحمد الشارف، خلد ذلك اليوم بقصيدة يقول مطلعها: عِيدٌ عليه مهابةٌ وجلالُ عِيدٌ وَحَسْبُك أنّه استقلالُ.

الاستقلالُ يعني امتلاك شعب لمقدراته، ويعني خلو أرضه من كل ما من شأنه أن ينقص من سيادتها. والسيادة تعني امتلاك القرار. والدولة الناشئة الفقيرة التي ظهرت على خريطة العالم في عام 1951 وحملت اسم المملكة الليبية المتحدة، ولدتْ رسمياً نتيجة خلافات بين دول الحلفاء المنتصرة، أهمها كانت نيّة أميركا وبريطانيا قطع الطريق أمام عودة إيطاليا، ووأد حلم الاتحاد السوفياتي في الحصول على موطئ قدم على ساحل البحر المتوسط.

حين كنّا صغاراً، كان ليوم الاستقلال طعمٌ مميزٌ. وكانت البلاد تحتفل به من أقصاها إلى أقصاها، من دون صدور أوامر عليا تُفرض من فوق. الفرحُ كان شعبياً وتلقائياً وتطوعياً. لكن بعد الانقلاب العسكري في الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1969، أُلغيَ عيدُ الاستقلال ولم يعد له وجود. واعتبر قائد الانقلاب المشؤوم أن يوم الأول من سبتمبر 1969 هو الأحق بالاحتفال. وبذلك ألغى بجرّة قلم صفحات ناصعة من تاريخ الشعب الليبي في كفاحه ضد الاستعمار. إلا أن انتفاضة فبراير (شباط) 2011 أعادت الاعتبار لذلك اليوم، ولكن، للأسف، لفترة قصيرة جداً.

وما حدث ليس سرّاً خافياً على أحد. فحالُ ليبيا اليوم مكشوف للجميع. وهو، في الوقت ذاته، لا علاقة له بحُسن الحظّ من سوئه. إذ لا علاقة للحظّ بأنواعه بأمور السيادة.

النتيجة النهائية لما حدث من أحداث وتطورات، منذ القضاء على النظام العسكري في أكتوبر 2011، تؤكد على أن ليبيا فقدت استقلالها، لافتقادها امتلاك القرار السيادي، حتى وإن حافظت على عضويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وحافظت على رفع العلم الثلاثي الألوان فوق المباني الحكومية وفي الشوارع. القرار الليبي لا وجود له. والجيش الليبي لم يعد موجوداً. ووحدة الأرض الليبية تفتت.

الاستعمار الأوروبي التقليدي لم يعد ممكناً في القرن الواحد والعشرين، هذا على الأقل ما يردده المؤرخون وغيرهم. وهو لا يعني أن الاستعمار اختفى، بل ظهر في صور أخرى عديدة. والذين خرجوا من المستعمرات مطرودين، سرعان ما عادوا من النوافذ خلسة، وبأشكال مختلفة، اقتصادية في أغلبها، في العديد من البلدان التي استقلت بعد الحرب العالمية الثانية. لكن في ليبيا بعد عام 2011، عاد الاستعمار بشكله التقليدي القبيح، ممثلاً في وجود قوات أجنبية عدة، تتمركز علناً في قواعد عسكرية، غرباً وشرقاً وجنوباً. والقرار الليبي السيادي المستقل تلاشى هو الآخر، وصار، منذ أعوام، في أيدي حكومات أجنبية. وفقد العلم والنشيد الليبيان معنيهما. وبدلاً من جيش واحد يدافع عن الشعب، ويصون الأرض والعرض، تكاثرت الجيوش على طول الرقعة الجغرافية للبلاد، مثل طفح جلدي، بمسميات مختلفة، ورايات مختلفة، بهدف الدفاع عن المصالح الشخصية والأجنبية، وليس بهدف الدفاع عن الشعب الليبي، وأرضه وعرضه.

فماذا بقي، غير المرارة والحسرة، من معنى للاحتفال بيوم عيد الاستقلال في ليبيا؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ  وَحَسْبُكَ أنّه استقلالُ



GMT 10:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المايسترو

GMT 10:35 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أندلس قاسم سليماني... المفقود

GMT 10:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتيتان «الجهادية» والتقدمية... أيهما تربح السباق؟

GMT 10:30 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تصادم الخرائط

GMT 10:28 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتصاد أوروبا بين مطرقة أميركا وسندان الصين

GMT 14:09 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 14:07 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 14:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon