توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

  مصر اليوم -

التاريخ والفكر سوريا بين تزويرين

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

 

لا يجادل عاقلٌ فضلاً عن سياسيٍ أو مثقفٍ في أن تزوير التاريخ واحدٌ من أسس بلاء الأمم وأسباب انحدارها وتخلفها، وتزوير التاريخ له معانٍ متعددةٍ: منها الكذب الصراح المبني على الخرافة والآيديولوجيا والميثولوجيا، ومنها المقولة المشهورة: إن التاريخ يكتبه المنتصر، بمعنى أنه يزوّره ليكون كما يحب، ومنها المقولة المعاكسة التي تركز على الهوامش لا المتن في تواريخ الدول والشعوب والمجتمعات.

في منطقتنا جرت محاولات كثيرةٌ لاستخدام الأسماء الغربية في تسمية الأحزاب والجماعات، وتوظيف المفاهيم الغربية التي تستخدم للتوصيف والتحليل، وقد تم استخدام عشرات المفاهيم الغربية في فتراتٍ متباعدةٍ ومن أطرافٍ متناقضةٍ، ولكن بمعان لا تطابق الأصل وإن اختلفت تلك الأطراف في طرق التزوير وإعادة بناء المفاهيم مجدداً، وهذا تضليل.

حزب البعث الحاكم في سوريا منذ أكثر من خمسة عقودٍ تحوّل عبر مسيرته الطويلة إلى حزب الطائفة والأقلية، الديكتاتوري الشرس، وقد أفرغ هذا التحول «حزب البعث» من اسمه الأصلي ومن المعنى الذي بني عليه في الأساس، ولم يتبق منه عبر عقودٍ إلا أسماء جزئية ومفاهيم عائمة من القومية العربية والقطر السوري، وذلك قبل أن يتحول إلى حكم العائلة المعتمد على «توحش الأقليات»، وأصبح حكم حزب البعث عائلياً وراثياً على طريقة «الجملوكية» أو الجمهوريات الملكية، التي لم تأخذ شيئاً من عظمة الملكيات إلا توريث أبناء العسكر الحكم، وهذا تزوير للفكر مع تزوير التاريخ.

أنظمة الحكم تصنع معارضتها، ومثل ما صنع «حزب البعث» في سوريا صنعت بعض الأحزاب في الدول العربية، وهي معروفة بأسمائها وغاياتها.

ويصح هذا وأكثر في المفاهيم الأكثر انتشاراً مثل «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«الحريات»، وكما صنع الأسد بها على مدى عقودٍ صنعت مثله «جماعة الإخوان المسلمين» والجماعات الأصولية، وكان أوضح مثالٍ على ذلك فترة حكم الجماعة في مصر بعد 2011، حيث اتضح أنها قد رفعت هذه المفاهيم لخداع الرأي العام الغربي بها لا أقل ولا أكثر، وقامت بعمليات تفسيرٍ حزبيةٍ فصّلتها لخدمة الجماعة، وتمت عمليةٌ كبرى لتزوير التاريخ وتزوير الفكر.

«نهاية الصحوة» خرافةٌ فكريةٌ انتشرت في السنوات الماضية، ثم تبيّن عوارها، وأن كل أحداث العالم ووقائعه تدل على تهافتها واقعياً وعلمياً وفكرياً، ومع الفرح الغامر بسقوط واحد من أبشع الأنظمة الديكتاتورية في العالم بأسره في القرن الأخير، يجب ألا ينسى المفكرون والباحثون والكتّاب خطورة القادم في المستقبل بناء على ثقافتهم ومعرفتهم ووعيهم وتحليلهم، لأن ذلك يمنح صانع القرار والمتابع المهتم زوايا أوسع للرؤية والتحليل.

طبيعة السياسي الانتظار والتريث وحسابات المصالح في المواقف والقرارات، وهذا ليس شأن الباحث والكاتب الذي هو على العكس من السياسي، يعبر عن رأيه بالأدلة والبراهين التي يمتلكها، فإن أصاب رفع رصيده لدى قرائه كباراً وصغاراً، وإن أخطأ تحمل خطأه وحده، لأنه إنما يعبر عن رأيه الشخصي، وهذا ما جرى على طول التاريخ وعرض الجغرافيا إلا في لحظات استثنائية في تاريخ البشرية، وفي التاريخ الحديث مع النازية والفاشية والبلشفية.

«الأولويات الأصولية» أخذت تطلّ برأسها مجدداً في سوريا، أفكاراً ومفاهيم، خطباً في الجامع الأموي وغيره، وخطاباتٍ سياسيةً وإعلاميةً وثقافيةً وفلسفية، ولئن بدأت وسائل الإعلام في التركيز على مظاهر عامةٍ وشكليات اجتماعية مثل حجاب المرأة والموقف من المشروبات الروحية أو الغناء ونحوه، فإن المشكلة أعمق من هذا بكثيرٍ وأشد خطراً على المستويات كافة.

ثلاثة صناديق ينبغي التركيز عليها في هذه المرحلة لفهم المشهد، صندوق الاقتراع المدعوم شكلياً من الدول الغربية، الذي احترفت كل الدول والجماعات الأصولية المعاصرة في التلاعب به بالتوافق مع داعميه الغربيين، وصندوق الرأس حيث تمّ التلاعب به على مدى عقودٍ من الزمن دينياً وسياسياً وثقافياً وتعليمياً، وصندوق القلب حيث تهييج العواطف واستغلال المصائب والكوارث، وهي ثلاثة صناديق تعمل في سوريا اليوم على قدمٍ وساقٍ.

أخيراً، فلفهم ما جرى وما يجري وما سيجري مستقبلاً ينبغي للمهتم، من باحثٍ ودبلوماسيٍ وكاتبٍ، أن يعيد تثقيف نفسه بالتاريخ الحديث والمعاصر، بأسماء لأشخاصٍ وجماعاتٍ ومفاهيم دينية وسياسيةٍ واجتماعية وفلسفية، أسماء مثل «أبو قتادة الفلسطيني» و«أبو محمد المقدسي» و«أبو مصعب السوري» و«أبو بصير الطرطوسي»، وأمثالهم كثير، وكذلك «جماعة الإخوان المسلمين»، و«جماعة السرورية»، وكذلك كيف يتم التلاعب بمفاهيم حديثة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التاريخ والفكر سوريا بين تزويرين التاريخ والفكر سوريا بين تزويرين



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 05:33 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

توفيق الحكيم!

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon