توقيت القاهرة المحلي 12:38:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

  مصر اليوم -

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

بقلم:تركي الدخيل

لشاعر النبي صلى الله عليه وسلم، حسّان بن ثابت الخزرجي الأنصاري، من قصيدة قالها يوم السرارة، رداً على شاعر الأوس قيس بن الحطيم. ومن قصيدة حسّان في يوم السرارة، بيت يقول فيه:

وَإِنِّي لَحُلْوٌ تَعْتَرِينِي مَرَارَةٌ * وَإِنِّي لَتَرَّاكٌ لِمَا لَمْ أُعَوَّدِ

ويوم السرارة كان قبل الإسلام، وفيه وقعت حرب ضروس بين قبيلتي المدينة: الأوس، ويمثلهم بني عمرو بن عوف، والخزرج ممثلين ببني الحارث، وكان النصر فيها للخزرج. وبيت حسان بن ثابت يفخر فيه ويعدد خصاله، فيقول: إن في معظم حالاتي حُلوٌ، والحُلوُ: ضِدُّ المُرِّ، وأصل الحلو ما استخدم لتحليته العسل أو السُكَّر أو نحوهما. وعُممت كلمة حلو للتعبير عن الجميل، المستطاب، (هذه ليلة حلوة)؛ أي: رائقة، (رسم الفنان لوحة حلوة)؛ أي: جميلة. وقولهم: «لا تَكُنْ حُلْواً فتُؤكَل ولا مُرّاً فتُبْصَق. وإِنَّما وَقَعَ: لا تكُنْ حُلْواً فَتُسْتَرَط ولا مُرّاً فتُعْقَى. ومعنى تُعقى: تُلْفَظُ مِن المرارةِ، يُقالُ: قد أَعْقَى الشَّيءُ: إذا اشتدَّتْ مرارتُهُ. وقيل: معنى تُعقى: تُلفَظُ بالعُقْوَةِ، والعُقْوَةُ: ساحةُ الدارِ». (المدخل إلى تقويم اللسان)، لابن هشام اللخمي.

تعتريني: تزورني أحياناً، وتغشاني. يُقَال: عراه كَذَا واعتراه أَصَابَهُ وغشيه. مرارة: ضد حلاوة، والمُرُّ نقيض الحلو.

وقوله: (وَإِنِّي لَحُلْوٌ تَعْتَرِينِي مَرَارَةٌ ): كما يبدو مني لطف المعشر إلا أني إذا اضطررت بدا مني صلف وجفاء، فكما أنفع فإني أضر إذا استفزني أحد وأخرجني عن طبيعتي.

ومن المفارقات اللطيفة أن خصم حسّان بن ثابت في تلك المعركة له بيت في المعنى ذاته، يقول قَيْسُ بنُ الْخَطِيمِ الأَوْسِيُّ:

أَمُرُّ عَلَى الْبَاغِي وَيَغْلُظُ جَانِبِي * وَذُو الْوُدِّ أَحْلَوْلِي لَهُ وَأَلِينُ

يريد أنه يصبح مُرَّاً على الباغي: المعتدي، ويعامله بجفاء وشراسة، لكنه مع من يبادله الود والصفاء يحلو له، أي يتحول من المرارة إلى الحلاوة ليكون سائغاً لأهل الود. وقوله (وألين): يتحول من الغلظة وهي الخشونة، إلى اللين وهو غاية الرقة والطواعية.

وصرح قيس بمن يكون معه مُرَّ التصرف ومن يكون معه حلواً، فيما ألمح لهم حسان ولم يصرح بهم. قوله: (وإني لتراك لما لم أُعَوَّدِ): ترّاك، صيغة مبالغة لاسم الفاعل: تارك، والتارك، هو من يترك الشيء ويعرض عنه وينصرف عنه. وهو يعني هنا ترك السجايا التي لم يعتد عليها، ويقصد: أني اخترت لنفسي سجايا أرتضيها، واعتدت عليها، ولا أعاقر ما لم أعتد عليه من الأفعال، ولم أعتد عليه لأنه لا يناسبني.

وفي معنى قول حسان بيت المتنبي، القائل:

كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّعْبِ فِي الأَنْـ* ــفُسِ سَهْلٌ فِيهَا إِذَا هُو كَانَا

قال ابن جني: «يَقُولُ: إنَّمَا يَصْعُبُ الأَمْرُ عَلَى النَّفْسِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، فَإذَا وقَعَ سَهُلَ ، وهَذَا نحو قَولِ الأَعْشَى:

لا يصْعُبُ الأَمْرُ إلَّا رَيثَ يَرْكَبُهُ * وكُلُّ أَمْر سِوى الفَحْشَاءِ يَأْتَمِرُ».

وقد حضر معنى بيت القصيد في أبيات كثيرة، منها قول كُثَيِّر بن عَبْدِ الرَّحْمنِ:

هُوَ الْعَسَلُ الصَّافِي مِرَارًا وتَارَةً * هُوَ السَّمُّ مَذْرُوراً عَلَيْهِ الذَّرَارِحُ

الذرارح: جمع ذرذح، دابة تكبر الذبابة قليلاً، تشوبها ألوان حمرة وصفرة وسواد، تطير بجناحين، وسمها قاتل.

وقول الرَّاعِي النُّمَيْرِي:

أَمُرُّ وَأَحْلَوْلي وَتَعْلَمُ أُسْرَتِي * عَنَائِي إِذَا جمرٌ لِجَمْرٍ توَقَّدَا

جمر لجمر توقدا: إذا ادلهمت الخطوب.

وغير بعيد عن ذلك، بيت لبيد بن ربيعة العامري:

مُمْقِرٌ مُرٌّ عَلَى أَعْدَائِهِ * وعَلَى الأَدْنَينِ حُلْوٌ كَالعَسَلْ

ممقر: شديد المرارة.

واشتقاقاً من المرارة الشديدة سُميت المرارة، وهي العضو الصغير في بطن الإنسان، وهو الذي يكون على شكل فاكهة الكمثرى، وموقعه تحت الكبد في الجانب الأيمن من البطن، وذلك لأن التهاب المرارة على صغرها فيه من الآلام ما يفوق المُرَّ، وفي اللهجة المحلية يُقال: (ممرور) للمقهور الذي يكثر تجرعه للمُرِّ. وقبالة الممرور تدفعنا سنن الحياة للاعتدال، فالإكثار من الحلو قد يصيب الإنسان بمرض السكري.

الاعتدال كفيل بمنحه منزلةً بين منزلتي التهاب المرارة والإصابة بالسكري، كفانا الله وإياكم الشرور.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ



GMT 06:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 06:43 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 06:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 06:40 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 06:38 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 06:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أميركا والفضائيون... أسرار الصمت المدوي

GMT 06:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ميزة تملكها دمشق

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:59 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب توفيق يكشف للمرة الأولى سراً عن أشهر أغانيه
  مصر اليوم - إيهاب توفيق يكشف للمرة الأولى سراً عن أشهر أغانيه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 16:22 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

جماهير تطلب فتح المدرج الشرقي في مواجهة بوركينا

GMT 11:58 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

أفضل فساتين الخطوبة للمحجبات

GMT 00:10 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب ألاسكا الأميركية

GMT 08:42 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير شئون «النواب» يناقش تطورات مجال حقوق الانسان في مصر

GMT 12:54 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

الفنانة يارا تفاجئ جمهورها علي تطبيق "سناب شات

GMT 03:31 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

فيل يبتكر طريقة ذكية ليتناول طعامه من فوق شجرة

GMT 13:03 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

فولكس فاجن تكشف عن أسعار أيقونتها Passat موديل 2020

GMT 17:41 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

الفنانة مريم حسن تتعاقد على بطولة مسلسل "أبو جبل"

GMT 23:17 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

دورة تحكيم في جمباز الأيروبيك بالاتحاد الدولي للجمباز

GMT 16:26 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

دراسة تؤكّد أن الهاتف المحمول أقذر بـ7 أضعاف من مقعد المرحاض

GMT 04:58 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد تستعد لأول مسلسل مع خطيبها الفنان أحمد فهمي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon