توقيت القاهرة المحلي 00:03:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

  مصر اليوم -

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

بقلم:تركي الدخيل

مِثل كَثيرٍ مِنْ أبيَاتِ الشّعْرِ العَرَبيَّةِ، هناكَ خلافٌ في نِسْبَةِ هذَا البَيتِ إلَى شَاعِرٍ مُعَيَّن، فثمةَ من ينسبُه إلَى الشَّاعِرِ الجَاهِلِيّ السَّمَوْأَلِ بنِ عاديَا اليَهُودِيّ، وهناكَ من ينسبُه إلَى الشَّاعِرِ الأُمَوِيّ عَبدِ المَلِكِ بنِ عَبدِ الرَّحِيمِ الحَارِثِيّ.

وهوَ بَيتٌ مِنْ أشْهَرِ أبْيَاتِ الفَخْرِ، وأجْمَلِهَا، وأجلِّهَا، وفِيهِ يَقولُ الشَّاعِرُ:

تُعيِّرُنَا أنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنَا

فقُلتُ لهَا: إنَّ الكِرَامَ قَلِيلُ

تَقومُ فكرةُ البَيْتِ الرَّئيسَةُ علَى أنَّ الفَتاةَ الَّتِي حَدَثَنَا الشَّاعِرُ عَنْهَا، عَيَّرَتهُ بِقِلَّةِ عَدَدِ قَوْمَهِ، سَائرةً علَى الفِكْرَةِ السَّائِدَةِ، الَّتِي تَربِطُ القِيمةَ بِالكثْرَةِ وحدَهَا، لكنَّ الشَّاعِرَ ردَّ عليهَا مُعتَرِفاً بأنَّهُمْ قِلَّةٌ، مُبيناً لَهَا أنَّ الكَثرةَ لَيستْ مَمْدُوحَةً دوماً، وأنَّ القِيمةَ تكونُ بالقِلَّةِ فِي الغَالِبِ، فقالَ لَهَا: «إنَّ الكِرَامَ قَلِيلُ».

> تُعَيِّرُنَا: تَعَايَرَ القَوْمُ: إذَا ذَكَرُوا العَارَ بَينَهم. وَردَ فِي المَعَاجِم: «عيَّره» بمعنَى نَسبَهُ إلَى العَارِ، وقَبَّحَ عليهِ فِعلَه، ومِنْ ذلكَ قولُ ابنِ المُقَفَّعِ: «يكونُ كَالأعمَى الّذي يعيّرُ الأعمَى بِعَمَاه» («معجمُ الصَّوابِ اللغَوِي»، أحمد مختار عمر).

> قَلِيلٌ: ضِدُّ كَثيرٍ، وأصلُهُ مِنْ قَلَّ. تقولُ قَلَّ الشَّيءُ فَهوَ قليلٌ، والقُلُّ: القَلِيلُ.

> عَدِيدُنَا: العَدِيدُ: الكَثرةُ. ومَا أَكثَرَ عديدَ بنِي فُلانٍ وعَدَدَهُمْ!

> الكِرَام: جمعُ كريمٍ. والكَرَمُ له معانٍ كثيرة منها: الكرم: شَرفُ الرَّجلِ. رجل كريمٌ وقوم كِرامٌ. (العين)، الخليل بن أحمد.

وفِي المَعنَى الّذي يؤكّدُ أنَّ القليلَ قد يكونُ خَيراً من الكَثِيرِ، يَقولُ أبُو الطَّيّبِ المُتَنَبّي:

فَإِنَّ قَلِيلَ الحُبِّ بِالعَقْلِ صَالِحٌ وإِنَّ كَثِيرَ الحُبِّ بِالجَهْلِ فَاسِدُوَجَاءَتِ الكَثْرةُ فِي القُرآنِ الكَريمِ مَذمُومةً في مُعظَمِ ذِكرِهَا، كَمَا جاءَتِ القِلَّةُ مَمْدوحَةً فِي الغَالِبِ، فَمِنْ ذَلك:

قولُه تَعَالَى: «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً»، وقالَ تعالَى: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ»، وقولُه سُبحانَه: «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ»، وقولُه تَباركَ وتَعَالَى: «إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ»، «وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُون»، وقَالَ تعالَى: «وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ».

وفي حديث النبي ﷺ أنَّه قالَ: «يُوشكُ أنْ تَتداعَى عَليكُمُ الأمَمُ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ علَى قَصْعَتِهَا».

قَالُوا: أمِنْ قِلَّةٍ نَحنُ يَا رَسول اللهِ؟

قَالَ: «لَا. أنتمْ يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكُمْ غثاءٌ كَغثاءِ السَّيلِ».

وقَالَ: «النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً». أي أنَّ المَرضِي من النَّاسِ نَادرٌ، كَندرةِ النَّجِيبِ منَ الإِبلِ القوي الذي يَتحمَّلُ الأسفارَ والأحْمالَ.

وفِي عجزِ البيتِ، قالَ:

فقُلتُ لها: إنَّ الكِرَامَ قَلِيلُ

يَعنِي أنَّ الكِرَامَ يَقِلُّونَ، وهو اعترافٌ بِقِلَّةِ العَدَدِ، لا بِقِلَّةِ القَدْرِ والقيمة.

وبعدَ بيتِ القَصيدِ، أوردَ الشَّاعرُ بيتينِ جميلينِ، ضمنَ فخرِه، وَرَدّهِ علَى مَا عُيِّرَ به، يقولُ:

وَمَا قَلَّ مَنْ كَانَتْ بَقَايَاهُ مِثْلَنَا

شَبَابٌ تَسَامَى لِلعُلا وَكُهُولُ

وَمَا ضَرَّنَا أنَّا قَلِيلٌ وَجَارُنَا

عَزِيزٌ وَجَارُ الأَكْثَرِينَ ذَلِيلُ

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنَّ الكِرَامَ قليلُ إنَّ الكِرَامَ قليلُ



GMT 19:18 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أمريكا والشرع.. ‎تناقض أم مصالح؟!

GMT 19:17 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

صلاح رقم 11 ومرموش 59!

GMT 06:50 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

GMT 06:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 06:43 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 06:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 06:40 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon