أسامة غريب
عالم التلامذة من البنين والبنات ملىء بالأسرار وحافل بقصص التنافس في الدراسة إلى جانب حكايات الحب والشقاوة والمقالب التي تبث الأمل والتفاؤل في المستقبل. وتلامذة اليوم يختلفون عنهم بالأمس من حيث المنابع الفكرية ومصادر اللهو والتسلية واستقاء المعلومات. ولا شك أن الأمريكان في وقتنا هذا قد استولوا بأفلامهم وبرامجهم على قلوب وأذهان الشباب في كل أنحاء العالم وجعلوهم يتطلعون إلى محاكاة الحياة الأمريكية ولو كانت مفرداتها لا تتفق مع تراث وتقاليد هذه الدولة أو تلك.
عندما تعود بى الذاكرة إلى أيام الدراسة الثانوية أتذكر أن أحلام جيلنا كانت متأثرة بمصادر أخرى مختلفة لأن البث الفضائى لم يكن قد ظهر بعد. كان التليفزيون المصرى بقناتيه هو مصدر الإلهام ومعه دور العرض السينمائى وبالذات سينما الدرجة الثالثة. في ذلك الوقت كانت الأفلام المصرية هي التي تمنح الإلهام لهذا الجيل وتؤثر في أحلامه. لا أنسى زميلاً لى بالثانوى كان لا يفتأ يحدثنا عن حلمه بأن يصاحب راقصة ويتخذها عشيقة ويكون صديقاً لها أسوة بما شاهده في فيلم «أبى فوق الشجرة» وكان يحلم بأن يعود من المدرسة كل يوم فيجدها قد أعدت له الغداء وعمرّت له الشيشة، ثم بعد ذلك ترقص له وتظل في خدمته وتلبية طلباته حتى ينام!. زميل آخر كان يتمنى أن يلتقى برئيس عصابة وأن يكلفه هذا الرئيس بمهمة واحدة هي نقل شنطة مخدرات من مكان إلى آخر وأن يقبض في مقابل المهمة مبلغاً كبيراً يمكّنه من أن يبدأ حياته بداية مريحة!. وثالث لعبت في خياله صورة المقهى الشعبى الذي رآه في فيلم رصيف نمرة خمسة وغيره من الأفلام، ذلك الذي يقدم الخمور الرديئة وترقص به برلنتى عبدالحميد أو نعمت مختار وتغنى فيه هدى سلطان أو صباح ويرتاده الأشقياء وأولاد الليل، وكان هذا الزميل يسأل عن أماكن هذه المقاهى التي كنا نشاهدها بالأفلام ولا نعرف مكانها في الواقع!. وزميل آخر لنا في نفس المدرسة كانت أمنيته أن يكتسب مهارات محمود المليجى في فتح الخزائن والأقفال. كان التأثر واضحاً بأفلام المرحلة التي لم تخرج عن المطاردات والأكشن وبطلها فريد شوقى، وحش الشاشة، ومعه المليجى وتوفيق الدقن وبقية الشلة، أو الأفلام العاطفية المليئة بالخيانة والرذيلة. وعلى الرغم من أن الشر في الأفلام كان يندحر في العادة أمام الخير في النهاية، إلا أن سخافة الأخيار الأبدية وثقل ظلهم بالقياس إلى حلاوة وخفة دم المجرمين والفَجَرَة لم تكن تترك فرصة للشباب أن يحلموا بمحاكاة مثال طبيب ناجح أو مهندس محترم أو عالم جليل، وإنما ملأ خيالهم دائماً مجرمون يتسمون بحب المغامرة والاستهانة بالأخطار وتداول النساء!. لكن الأمر الذي كان يحيرنى هو حقيقة أحلام بنات الثانوى في جيلنا، وهل كن يشاركننا نفس الأمانى الآثمة كأن يكنّ راقصات وغوانى ممن يقع في غرامهن رشدى أباظة وشكرى سرحان، أم كانت لهن أحلام شريفة تتعلق بالطب والمحاماة والأمومة!؟. أياً ما كانت الإجابة فإن تعاقب الأجيال لم يعالج مشكلة الخلل في التمثل والهضم واحتذاء مثال لا يكون في سفالة استيفان روستى وظرفه أو انفلات أبطال مسلسل «فريندز»!.