أسامة غريب
كنت أشق طريقى إلى المدرسة ابتداء من شارع بركة الرطل بالظاهر، مروراً بشارع صبرى قبل أن أنعطف يميناً وأدخل إلى شارع حمدى، وقبل النهاية أعبر شارع ذهنى الذى يتفرع عنه شارع رستم، وفى آخر الشارع أجد نفسى فى قلب ميدان فخرى.
كان الوصول لمدرسة غمرة يقتضى أن أعبر يومياً شوارع بأسماء صبرى وحمدى وذهنى ورستم وفخرى دون أن أجد شخصاً واحداً لديه القدرة على تفسير مَن يكون هؤلاء البشر الذين قطعت محافظة القاهرة صلتهم بآبائهم عندما أطلقت أسماءهم الأولى على شوارع هامة بحى الظاهر؟ هذا وقد فشلت فى الوصول لإجابات مقنعة بشأن هؤلاء الناس ومعظم الإجابات كانت ظنيّة ولا يمكن إثباتها، بل إن بعض الظرفاء قد نسب نفسه إلى بعضهم، فزميلنا فى الفصل أحمد ذهنى أخبرنا بأن شارع ذهنى منسوب لوالده، وجارتنا سناء حمدى زعمت أن شارع حمدى على اسم أبيها.. وحتى التخمينات المعقولة التى قالت إن ميدان فخرى يحمل اسم القطب الوفدى فخرى عبدالنور لم يكن من دليل عليها، إلا زعْم أصحابها.
بعد قليل عرفت من أصحابى أن هناك شارع ماهر بالعباسية وأن أحداً من السكان لا يعرف من يكون الأخ ماهر، كما عرفت أيضاً بوجود شارع خيرت بالسيدة زينب وشارع منصور فى باب اللوق وشارع مؤنس فى عابدين. وبتقدم السن والخبرة والتجوال فى العاصمة التقيت شخصياً بشارع رمزى وشارع قدورة وحارة دياب وعطفة فهمى وزقاق عطية ودرب عليوة.. وكلها هكذا أسماء مجهّلة لا تساعد من يريد أن يفهم، ويبدو أن اللجنة التى تجتمع لاختيار أسماء الشوارع يكون أصحابها فى الغالب منفعلين ومتأثرين بأسماء معروفة لهم ولجيرتهم فى الحى، فلا ينازعهم أحد عندما يطلقون على الشارع أو الحارة اسم عبدالشكور.. ولِمَ الحيرة فكلهم يعرفون عبدالشكور أفندى الرجل الشهم الذى أطفأ الحريق الذى اندلع فى الدور الأول، حيث شقة أم سهير ونجح فى إنقاذ الأرملة وبناتها، ولهذا فقد حق أن يتم تكريمه وإطلاق اسمه على الحارة.. لا بأس بالطبع فى تكريم البشر المحليين ونيلهم من الحب جانباً، ولكن ألم يدر بخاطر لجنة الأنس وهى تختار الاسم أن تفكر فى الناس من خارج الحى أو أن تفكر فى الأجيال التالية التى سيظل أفرادها يضربون أخماساً فى أسداس وهم يتخبطون فى تخمينات لا تجد من يؤكدها. وإذا كان الأمر هيناً بالنسبة لأسماء الحوارى والعطوف والأزقة الداخلية التى لا يراها غير سكانها، فما القول فى الشوارع الهامة التى تميز وسط العاصمة والتى يراها الجميع وينظرون فى حيرة إلى لافتاتها دون أن يعرفوا أصحابها.
إن الأمر المتيقن منه هو أن القاهرة تتميز بتكريم أعلامها ومفكريها وأبطالها وشخصياتها المتميزة بإطلاق أسمائهم على الشوارع، وهى فى هذا تختلف عن غيرها من العواصم العربية التى لا تطلق على شوارعها إلا أسماء الحكام والشيوخ والأمراء بافتراض أن أبناء الشعب العادى ليس بينهم شخص ذو قيمة، ولكن يتعين على القاهرة وهى تفعل ذلك أن تتلطف وتقول لنا هذا الشخص.. ابن مين فى مصر؟