أسامة غريب
فى الدنيا أناس تحبك وتهتم بك، وقد يكون لدى بعضهم استعداد لافتدائك بكل غال ونفيس، وهذا يعنى أن وجدهم وكلفهم بك لا حدود له. فى الوقت نفسه أنت تمنح جُل مشاعرك وتفكيرك لآخرين قد لا يحفلون بك ولا يبالون بمشاعرك وليس لديهم استعداد ليبادلوك الحب والاهتمام.
الصورة السابقة هى حالة متكررة فى كل زمان ومكان، وقد عبر عنها كتاب الروايات وتناولتها السينما وكانت محور الكثير من الأغانى، ولعل محمد عبدالوهاب لخص المسألة كلها عندما غنّى لحسين السيد يقول: بافكر فى اللى ناسينى، وبأنسى اللى فاكرنى. وباهرب م اللى شارينى وأدوّر ع اللى بايعنى.
أما عن السبب فى هذه الحالة الشائعة لدى البشر فهو التوق إلى ما لا نملك والتطلع إلى الحصول على الصعب حتى لو لم نكن مؤهلين لبلوغه. وقد تكمن صعوبة الحصول على هذا الأمل فى أن الطرف الآخر هو مثلك نمرود لا يقنع بمشاعرك السهلة التى لا تكفى لإرضاء غروره، وهو مثلك لا يرضى بأقل من التطلع إلى المستحيل. وعلى الرغم من أن الحسابات العقلية قد تخبر الشخص أن تطلعه هذا قد لا يكون فيه الخير ولا تكمن فيه السعادة المرجوة فإن الغضب والشوق المعتملين فى أعماقه يمنعانه من الاستجابة لنداء العقل والعمل بالحكمة الشعبية القائلة: خذ الذى يحبك دون الذى تحبه. ولعل المحاولات المضنية التى يبذلها الشخص لاسترضاء من لا يلقى إليه بالاً والتى تصل أحياناً إلى حد التذلل وإهانة النفس.. لعلها تكون سبباً فى أن تتسلل الكراهية إلى قلبه بسبب الهوان الذى يحسه، لكنه رغم الكراهية المختلطة بالرغبة فى الفوز لا يتزحزح بسهولة عن المحاولة.. إنه لم يعد يحلم بالظفر بالمحبوب ليسعده، لكن ليذله ويذيقه الهوان، وهذا لعمرى من عجائب السلوك البشرى.. أن يحلم المرء بالفوز ليعاقب غيره على أنه لم يقع فى حبه ولم يتدله فى غرامه! لكنها النفس البشرية المعقدة التى تنفر من السعادة المتاحة ولا تشعر بطعمها، بينما تنشد الحب لدى من لا يملكه.
ولعل قدرة المرأة على التجاهل وإيذاء الطرف الآخر فى مشاعره تفوق قدرة الرجل على نفس الفعل، بسبب أن المرأة اعتادت أن تزهو بجمالها وتعتبره رأسمالها الأساسى فى الحياة، وقد يستتبع هذا جمع المحبين ومشاغلة العشاق والتمتع برؤيتهم يتساقطون على الأعتاب، وقد يكون السبب أيضاً خشيتها من الاندفاع حيث لا يسهل إصلاح الخطأ فى الاختيار.. أما لو كانت هى الطرف الذى يتم تجاهله فقد تصبح شديدة الخطورة لأنها تملك القدرة والمهارة على الغزل والنسج وشغل التريكو البطىء -بعكس الرجل- وحتى لو تأخر ردها فإنه فى الغالب آت. لكن الرجل لا يغزل ولا ينسج لكنه يرد بغشم وتسرع وقد يصيب من كان يحب بجهالة، وهو فى الغالب لن يتورع عن نثر الأقاويل حول من رفضته، وقد يختلق قصة حب وهمية يرويها للناس متهماً الفتاة بالخيانة والتقلب، أو بالطمع والتماس المال عند غيره. كل هذا وأكثر منه قد يحدث فى قصص الحب غير المتبادل.. تكسير عظام وطعن وإيذاء وتشهير واتهامات ظالمة، نتيجة عجز الطرف المرفوض عن مواجهة نفسه بأن من حق كل إنسان أن يحب من يشاء دون أن يتعرض للأذى.