أسامة غريب
حدثنى أحد الأصدقاء بأنه يشعر كما لو كان ديناصوراً غفا ذات ليلة، وعندما استيقظ من نومه لم يجد أحداً من أصدقائه.. كانوا قد انقرضوا!. هذا هو شعوره بعد أن انقسم الناس فى مصر إلى شعبين.. أصبح يشعر بأنه أحد أهل الكهف الذين ظنوا أنفسهم قد لبثوا يوماً أو بعض يوم فإذا بهم قد ناموا 300 سنة أصبح العالم بعدها غير العالم!
أخبرنى الصديق بأنه كان من الممكن ألا يشعر بهذه الوحدة لو أنه كان ينتمى لأحد الشعبين، فانتماؤه إلى هذا الشعب أو ذاك كان سيمنحه إحساساً بالطمأنينة وبأنه ليس وحده، لكن مشكلته أساسها أنه كان فى السابق يظن نفسه ينتمى إلى أحد التيارين قبل أن يتحولا إلى شعبين، كان يعتقد أن أصحابه ورفاقه وبعضهم ينتمى للفكر الليبرالى، وبعضهم يساريون.. كان يعتقد أنه واحد منهم برغم عدم انتسابه إلى أى حزب أو حركة سياسية. لم يكن صديقى رغم ميله للاشتراكية على طريقة دول شمال أوروبا.. لم يكن معادياً للإسلاميين.. كان يتفهم أن دمجهم فى الحياة السياسية كفيل بغربلة دماغهم ونفض الأفكار المعادية للديمقراطية منه بعد أن يدركوا أنها سبب وجودهم، وكان يؤمن بأنه لا حل لمشكلات هذا الوطن إلا بإقرار مبدأ تداول السلطة وإقامة الانتخابات التى ستسمح له بأن يذهب إلى اللجنة ليصوت ضد الإخوان الذين يعتقد بعدم كفاءتهم السياسية. كان هذا هو موقفه من الحياة ومن السياسة، فإذا به يكتشف فى لحظة درامية عنيفة أن مَن كان يعتبرهم أهله وعشيرته من الليبراليين الذين يؤمنون بالدولة المدنية وبتداول السلطة ويتخذون من فولتير إماماً ومرشداً لتقديسه حرية التعبير.. إذا به يكتشف أنهم فاشيست لا يؤمنون بتداول السلطة والانتخابات ما لم تأت بأصدقائهم، ولا يؤمنون بحرية التعبير إذا كانت ستسمح لخصومهم بأن يعبروا عن آرائهم! وإذا به يكتشف أن أهله وعشيرته من اليساريين لا يلقون بالاً للطبقات الكادحة ولا يهتمون بأمر الفقراء، ولديهم استعداد لتأييد كل إجراءات نزع الدعم ورفع الأسعار وغلق المصانع وتشريد العمال.. لقد اكتشف صديقى أنه كان يصاحب أغرب يساريين عرفهم التاريخ شرقاً وغرباً.. يساريين يعادون الفقراء ويعاونون اليمين المتوحش على سحقهم! كل أفكار أصدقائه الليبراليين اكتشف أنها كانت قشرة تخفى وراءها نازية ترحب بالقتل وسفك الدماء ظلماً وعدواناً، وكل أفكار أصدقائه اليساريين اكتشف أنها سبوبة كانوا يسرحون بها فى الأسواق، واليوم لم يعد منها فائدة لأن أولياء النعم يريدون عكسها!
حدثنى صديقى والحزن يمزقه فقال: لقد فقدت أصدقائى جميعاً فى يوم واحد.. صحوت من النوم فلم أجد منهم أحداً.. ثم أردف: أما أبناء الشعب الآخر الذين دافعت عن حقهم فى الحياة والكرامة ورفضت أن يُقتلوا أو يلقوا فى السجون بغير جريمة رغم اختلافى التام معهم فى التوجه والرؤية السياسية فإنهم لن يعتبرونى منهم مهما فعلت، وذلك لأننى لست منهم فعلاً ولا أريد أن أكون منهم.. هم يدافعون عن المظلومين من جماعتهم فقط، أما أنا فأدافع عن المظلوم دون أن أسأل عن اسمه أو عنوانه، هم على استعداد لتأييد الإجراءات القمعية بحق غيرهم، وأنا أطلب الحرية والعدل للجميع.. لهذا فإننى لست منهم.
أشفقت على صديقى وشعرت بالخوف من الأيام العنيفة التى عصفت بضمير البعض وعصفت بحلم البعض الآخر.. فاللهم لطفك.