توقيت القاهرة المحلي 16:23:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصورة والأصل

  مصر اليوم -

الصورة والأصل

أسامة غريب


مَن منّا لم يكن له أبطال يملأون خياله منذ الصغر؟ كلنا تقريباً تعلقنا بشخصيات رأيناها تمثل النموذج الذى نحلم بأن نكونه. هناك من تعلق بنجم غناء أو ممثل سينمائى، وهناك من أحب شخصية سياسية، كما أن من بيننا من تاقت نفسه إلى لقاء شخصيات خيالية مثل سوبرمان والرجل الوطواط. والأمر هو نفسه بالنسبة للأدباء والكتاب والشعراء، فدائماً ما ينالهم نصيب من حب المعجبين، وهناك مَن ينظرون إلى نجمهم الكاتب باعتباره الرجل العظيم الذى خبر الدنيا وفهم النفس البشرية ونجح فى أن يفك لهم شفرات المواقف المعقدة والظروف الملتبسة. ويلاحظ أن كثيراً من الذين يتعلقون بمؤلف أو كاتب إنما يستندون فى محبتهم له إلى أنه استطاع أن يفهمهم ويتفاعل مع آمالهم وآلامهم بأكثر مما أمكن لأقرب الناس إليهم أن يفعلوا. ويمكننى فى هذا السياق أن أتذكر زميلاً قديماً كان مهووساً بالكاتبة الإنجليزية أجاثا كريستى، وقد بلغ به الشغف بمؤلفة القصص البوليسية الشهيرة أنه كان يشترى قصصها ويوزعها علينا لنقرأها حتى نشاركه الإحساس بعظمتها وقيمتها الكبيرة. هذا الزميل لم يكفه الحب من بعيد، وإنما أراد أن يلتقى ببطلته وجهاً لوجه، حتى يفهم من أى نبع للعبقرية تنهل، ومن أى بئر للنبوغ ترتوى. كان يود أن يضع نفسه فى خدمتها ويقدم لها أقصى ما يستطيع. لهذا ما إن تخرجنا فى الجامعة حتى شد الرحال إلى لندن من أجل المهمة المقدسة، وهناك عرف أن السيدة أجاثا كريستى ماتت من سنوات!. ولعل الموت قد حفظ لها صورتها الأسطورية فى خيال صاحبنا، وربما لو أنه لحق بها فى حياتها واقترب منها شخصياً لوجد إنسانة تخالف الصورة التى رسمها لها فى خياله وعاش يضيف إليها رتوشاً جديدة كل يوم.

هناك دائماً مسافة تفصل ما بين صورة الشخصية المحبوبة للنجم أو الكاتب وبين حقيقته.. فليس كل كاتب موهوب هو بالضرورة إنساناً نبيلاً أو مستقيم السلوك. وقد عرفت كثيراً من الأدباء الذين كنت أعدهم فى الصغر بمثابة قديسين، فلما أتاحت لى الحياة أن أقترب منهم وأصادقهم وجدت الكثيرين منهم أنذالاً لا يتورعون عن السلوك الدنىء، وفهمت أن كتاباتهم شىء وحقيقتهم شىء آخر. ولا أنسى أبداً ذلك الأديب الرائع الذى كنت أقرأ قصصه وأتساءل: كيف استطاع أن يعرف كل هذه التفاصيل الدقيقة عن الناس والدنيا والعلاقات والنفوس والجوارح والشوارد؟! لابد أنه نبى! لا أنسى لهذا الرجل موقفاً عجيباً صادفته معه، كنت فى زيارة له بمكتبه منذ سنوات طويلة، وهناك كانت توجد صحفية شابة لإجراء حوار معه.. ومازلت حتى الآن لا أفهم كيف أن الكاتب الكبير قام بالتحرش بالفتاة فى وجودى ودعاها إلى علاقة بشكل صريح.. ومازلت أذكر كيف لم يطرف له جفن بعد أن رأى ذهولى وبعد أن أبدت الفتاة امتعاضها وأسمعته كلاماً قاسياً قبل أن تنصرف!. يومها عرفت ما كنت أجهل عن جنوح الرجل وشطحاته، وأدركت أن الكتابة الجميلة شىء وشخصية صاحبها شىء آخر.

لهذا فإننى أدعو كل من يتخذ فى الخيال بطلاً من ممثل أو كاتب أو شاعر أن يحافظ على مسافة كافية بالشخص، وأن يكتفى بأدبه أو فنه، ولا يسعى لمعرفته والاقتراب منه، لأنه قد يجد ما لا يسره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصورة والأصل الصورة والأصل



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon