أسامة غريب
أثناء الإقامة التى امتدت لسنوات بالخارج صادفت عدداً لا بأس به من الذين هربوا من مصر، بسبب القروض التى أخذوها من البنوك. بعضهم كانوا من فئة اللصوص كما هى مذكورة فى الكتالوج، أى أنهم دبروا وخططوا ثم ضربوا ضربتهم وهربوا وبحوزتهم المال المسروق تاركين شعب مصر يمضغ حسرته على فلوسه التى ضاعت، لكن إلى جانب هؤلاء كان يوجد آخرون لم يقصدوا أن ينتهى الأمر على هذا النحو، إذ إنهم اقترضوا بنية حسنة من أجل تمويل مشروعات، لكن حساباتهم خابت، ففشل البيزنس وتعثروا فى السداد وفوجئوا بالبنوك ترفع القضايا ضدهم والأحكام تصدر بحبسهم، فغادروا بليل قبل أن يدخلوا القفص ويناموا على البُرش. ما كان يجمع هؤلاء الهاربين فى الخارج، سواء اللصوص أو الذين تعثروا بحسن نية، هو أنهم يعيشون بالخارج عيشة الملوك.. فخفخة وبهرجة وإنفاق بلا حدود، فى بلاد يتميز الناس فيها بأن غالبيتهم الساحقة من معدومى الدخل الذين يعيشون مستورين فقط بفضل خدمات التعليم والعلاج المجانية، فى حين أن أصحابنا الحلوين كانوا يحيون كالأباطرة من حيث الإنفاق السفيه الذى أمّن لهم الإقامة والجنسية والحماية.
عندما كانت قصص هؤلاء يتم تداولها فى أوساط الأجانب، أو بالأحرى أصحاب البلاد، كان هؤلاء يضربون كفاً بكف من العجب، إذ إن الاقتراض من البنوك فى كل مكان بالعالم لا يمكن أن يترتب عليه سجن المقترض أو اضطراره للفرار بجلده، ففى بلاد الدنيا المحترمة لا يمكن منح قروض لأى أحد بدون ضمانات، وهذه الضمانات لابد أن تكون حقيقية وتغطى قيمة القرض، وبالتالى فإن البنك لا يمكن أن يتضرر إذا تعثر المقترض أو فشل فى السداد. ليست هناك بنوك فى الدنيا كلها ترفع قضايا ضد المقترضين، لكنها تقوم ببساطة بوضع يدها على الضمانات، أياً كان نوعها، وتقتضى دينها فى هدوء. أما عندنا فالقضايا تُقام بسبب أن البهوات المقترضين لم يقدموا ضمانات حقيقية، والبهوات مسؤولو البنوك لم يهتموا بالضمانات نتيجة التواطؤ والحصول على نسبة من مبلغ القرض أو نتيجة الأوامر الفوقية الآتية ممن لا تُرد مشيئتهم. والأغرب أن القضايا ضد المقترضين اللصوص أو الآخرين المتعثرين فى السداد بحسن نية يتم رفعها بشكل انتقائى أو قل انتقامى، فهناك من يتم التغاضى عن تعثرهم وتوقفهم عن السداد، وهناك من يتم الإمساك بتلابيبهم فجأة ودون إنذار.. وفى كل الأحوال فإن أسباب الصحوة أو التغاضى تظل سرية، لا يعلمها سوى اللاعبين الكبار، لكن ما وصلنا منها لا يخرج عن منافسات الأولاد المدللين على اقتناء الراقصات والغوانى، وأحياناً الثرثرة فى جلسات الأنس وتناول الأسياد بالتهكم والسخرية، كما حدث مع صاحب توكيل السيارات الشهير الذى أذاعوا تسجيلاته الجنسية مع راقصة ثم أدخلوه السجن فلم يتمكن من الفرار بالغنيمة!
ومعلوم أن التنافس والصراع فى دروب الهوى والغرام بين أولاد المحظوظة تتم تصفية حساباته فى ساحة البيزنس، باعتبار أن كل الساحات مفتوحة على بعضها ومؤممة بالكامل لصالح اللصوص وأصدقائهم اللصوص. وفى حدود علمى، فإنه حتى الآن لم يتم التحقيق مع أى مسؤول بنكى عن القروض التى منحها للأخ الهارب صاحب الضمانات الوهمية، وأغلب الظن أن هذا التقاعس ناتج عن الخشية من أن يتحدث هذا، ويبوح عن الكبار الذين أصدروا إليه الأمر بفتح الخزنة وتعبئة الأجولة وملئها بالمال قبل تقديمها لحبيبهم المقترض السعيد.