توقيت القاهرة المحلي 06:14:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النعامة التى ترفس

  مصر اليوم -

النعامة التى ترفس

أسامة غريب

لم أكن أستغرب فى الطفولة أن أتلقى معاملة غير مُنصفة من الكبار بدون مناسبة. كففت عن الاستغراب والدهشة من كثرة ما لقيت من أفعال وردود أفعال لو توجهت بها للقضاء فإنها كانت كفيلة بحصولى على تعويض مناسب! 

عندما كان والدى ينادى علىَّ بصوت جهورى كنت أهرع إليه قائلاً: أيوه يا بابا.

وكنت ما أكاد أنطق بهذه الجملة حتى أتلقى الرد الصادم: جتك أوه يئويك.. ما اسمهاش أيوه.. الناس تقول نعم يا حيوان!

ولأننى لم أكن طفلاً غبياً فقد كنت أستوعب المطلوب بسرعة. وفى المرة التالية التى أسمع فيها النداء باسمى كنت أجرى بكل سرعتى لأمْثُل أمام الوالد قائلاً بصوت مرتعش: نعم يا بابا.

لكن رغم التزامى بما طلب وتجنبى أن أرد بكلمة أيوه فإنه كان يبادرنى بالقول: نعامة ترفسك!

يعنى لو قلت أيوه يتم شتمى ولو قلت نعم يتم شتمى أيضاً. فلأجرب أن أقف صامتاً دون أى كلام.. لكن ثبت لى أن الكلام أفضل بكثير، إذ يسفر عن شتيمة فقط، أما الصمت فإنه كان جالباً لكف من النوع المفتخر ينزل على صدغى!

كان يُعزِّينى ويقلل من إحساسى بالضيق أن كل أصدقائى وزملائى وجيرانى من الأطفال كانوا يواجهون ما أواجه، فلم تترك هذه المعاملة جرحاً غائراً ولا جعلتنا نكره آباءنا.

تكلمنا عن الأب.. يأتى دور الأمهات. كان الواحد عندما يقول نعم يا ماما، يتلقى الرد الفورى: جتك مَوْ! وفى تطور مهم لعملية المَوْ فإننى شهدت والدة أحد أصدقائى وهى تقول له: مَوْ لمّا يشطّح جنابك.

مازلت حتى الآن أجتهد فى معرفة ماهية المَوْ واستيضاح معنى التشطيح، وتأثيرهما إذا اتحدا على الجناب!

قبل أن يأخذك الخيال فتتصور أن آباءنا وأمهاتنا كانوا أشراراً فإننى أحب أن أذكر أن هذه المعاملة كانت تأتى فى الغالب عقب خطأ فادح أو مصيبة قام بها أحدنا. صحيح أنها كانت تأتى أحياناً بدون سبب، لكن عندما كبرنا أظن أن معظمنا أدرك أن مئات الأسباب كانت موجودة تدفع بالأب إلى الغضب والغليان.. ضيق الرزق وغياب العدالة الاجتماعية والمسؤولية الملقاة على عاتق رب أسرة يريد أن يطعم الأفواه، وأم لا تستكين ولا تهدأ منذ الصباح الباكر حتى آخر الليل. عندما كبرنا عرفنا معنى أن يكون المرض ترفاً لا يقدر المرء عليه، ومن هنا فهمت كيف أن أبى وأمى لم يكونا يستطيعان الرقاد فى السرير مثلما كنا نفعل لدى أى دور أنفلوانزا، حيث إن هناك دورا لهما فى الحياة ارتضياه وعليهما القيام بأعبائه.

لم نغضب من الآباء والأمهات الشقيانين المحبطين الذين لم يعرفوا من متع الدنيا إلا الإنجاب!.. رغم أن الواحد كان يشعر أحياناً بالظلم الفادح عندما يتلقى صفعة كان يجب أن يتلقاها رئيس أبى الذى يضايقه فى الشغل فأخذتُها نيابة عنه، أو يتلقى شتمة كان ينبغى أن تكون من نصيب البائع الحرامى الذى غش أمى فى الميزان فى السوق.

لكن تظل الحيرة قائمة فيما يخص الاختراعات اللفظية التى ابتكرها الأهل للتنفيس عن غضبهم من الدنيا فى وجهنا نحن أطفالهم الصغار، وكيف استراحوا إلى فكرة الأوَه الذى «يئوى»، والمَوْ الذى يشطّح الجناب، والنعامة التى ترفس!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النعامة التى ترفس النعامة التى ترفس



GMT 12:21 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

التشكيل المنتظر امتحان حسان الأول

GMT 09:37 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 09:34 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 09:29 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 09:28 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

معضلة الحل في السودان!

GMT 09:25 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

الكشف عن مقبرة مطربي الإله آمون

GMT 09:23 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

مذاق الأيام المتبقية من عُمر السباق

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
  مصر اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 10:15 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
  مصر اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 10:57 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

فوائد لا تصدق لقشور جوز الصنوبر

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة زوجة محمد صلاح بفيروس كورونا

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"حبيب نورمحمدوف" إنجازات رياضية استثنائية وإرث مثير للجدل

GMT 08:45 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

القصة الكاملة لمرض الإعلامية بسمة وهبة الغامض

GMT 07:16 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 19 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 09:50 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

شقيقان بالإسكندرية يعانيان من مرض جلدى نادر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon