أسامة غريب
فى جلسة جمعتنى ببعض الأصدقاء تساءل أحدهم عن الرأى فى موضوع تجديد الخطاب الدينى الذى ازداد الحديث واللغط بشأنه فى الآونة الأخيرة. عندما أدليت بدلوى فى الموضوع تساءلت: هل يريد الذين طرحوا موضوع التجديد هذا تجديداً حقيقياً يشتمل على تطوير الخطاب الدينى وإعلاء قيم الحق والعدل والمساواة التى نص عليها الدين، أم أنهم يريدون تنقية الخطاب الدينى من الخرافات والشعوذة وكراهية الآخر حتى نضع مكانها أفكاراً أخرى وشعوذات جديدة تعمل فى خدمة السلطة وتأييد كل ما يصدر عنها بصرف النظر عن مطابقته أو مخالفته لصحيح الدين؟ بمعنى آخر هل النية خالصة فى هذا الأمر، أم أن المطلوب فقط هو أن تنهض المؤسسة الدينية لمؤازرة فريق سياسى يحوز السلطة اليوم ضد فريق آخر فقد السلطة ويحلم باستعادتها مستعيناً بجنوده من الدعاة وبصفوفه الخلفية من الشيوخ والأئمة وحملة كتاب الله؟. واقع الأمر أننى أتصور أن أفضل ما يمكن عمله فى هذا الموضوع هو أن نترك للناس دينهم كما هو دون أن نعبث به بحجة تطويره، أما مسألة التفسير العقلانى المطلوب من الشيوخ المستنيرين فهى سلاح ذو حدين وقد لا تحتمل السلطة آثاره، لأنه قد يأخذ الناس فى سكة رفض الظلم ونبذ الخضوع والاستكانة لأولى الأمر، وهى الأشياء التى أرستها السلطة منذ مئات السنين عن طريق شيوخ قاموا بتطوير الخطاب الدينى على نحو منحط كفل للملوك والحكام أن يعبثوا بمقدرات الأمة فى حماية التفسيرات التى تمنع معارضتهم وتقصف رقبة من يفكر فى محاسبتهم!
الأجدى لتحييد التفسيرات التى يراها البعض ظلامية ولا تتفق مع قيم العصر الحديث هو اعتناق قيم الديمقراطية وتبنى مفاهيم العدالة وإشاعة السماحة فى المجتمع، ومن أهم تجلياتها تداول السلطة وعدم التشبث بكراسى الحكم. لو حدث هذا فإن القانون سيكون سيداً على الجميع كما هو الحال فى البلاد التى سبقتنا فى التقدم التقنى وفى نوع الحياة التى يحياها الناس والتى تتضمن حقوقاً أساسية لا يتنازل عنها البشر مثل الحرية والكرامة. تحت ظلال الحرية والمساواة لن يضير الناس أن يتطرف البعض وأن يعتنق بعضهم تفسيرات بها مغالاة وشطط، فهؤلاء موجودون فى كل المجتمعات الحية ووجودهم لا يهز الدولة ولا يغير مسار الحياة. على سبيل المثال هناك نص فى القرآن يتعلق بقطع يد السارق.. الذين يطالبون بتجديد الخطاب الدينى يريدون نوعاً من الشيوخ يلوى عنق النص لينفى عن الإسلام أنه يقضى بقطع يد السارق حتى يكون الإسلام «شيك» ومقبول الشكل أمام الخواجات!.. هذا كله كلام فارغ. الأجدى أن تترك للناس دينهم دون العبث به وتمضى فى إصلاحاتك الدنيوية التى ستجعل الناس يفهمون من الدين روحه ومغزاه، وبالتالى يقل احتياجهم واعتمادهم على الشيوخ.. صالحهم وطالحهم.
أما تجفيف منابع التطرف وتجديد الخطاب الدينى مع بقاء الأوضاع السياسية والاقتصادية على ما هى عليه، فإنه وفى أحسن الظروف ومع افتراض أن الدين لم يتجدد فقط لكنه تلاشى وانتهى تماماً وتم محوه من العقول والقلوب.. لو افترضنا أن هذا قد حدث ولم يعد لدينا دين بالمرة فإننا لن نكون فى طريقنا لنصبح سويسرا، لكننا عندما ننظر فى المرآة وقتها سنبصر كوريا الشمالية!