توقيت القاهرة المحلي 16:23:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زيتونة واحدة

  مصر اليوم -

زيتونة واحدة

أسامة غريب

قرأت فى أكثر من موقع على النت قصة متداولة يرويها المشاركون، باعتبارها تعبر عن الحكمة وعن الرشد الاقتصادى، ووجدت أيضاً بعض كتاب الأعمدة الصحفية يستعيرون نفس القصة ليدللوا لقرائهم على الفرق بيننا وبين العقلاء فى الغرب، الذين يخططون لحياتهم ويرسمون كل خطوة بالقلم والمسطرة. وتحكى القصة باختصار عن شركة طيران غربية كانت تحقق خسائر لسنوات متتالية، إلى أن جاء مدير جديد للشركة وكان صاحب فكر متطور.. لجأ هذا الرجل من أجل التوفير إلى حيلة مبتكرة، وذلك بأن قام باستبعاد زيتونة واحدة من طبق السلاطة الذى يقدم للركاب مع وجبة الطعام.. زيتونة واحدة ليس أكثر. ويكملون القصة بأن هذا الإجراء البسيط ترتب عليه أن وفرت الشركة خمسمائة مليون دولار فى السنة.. وفى رواية أخرى ثلاثمائة مليون دولار.

تذكرت هذه القصة أثناء ركوبى الطائرة، الأسبوع الماضى، عندما وضعوا أمامى طبق السلاطة، وكان يضم بعض الخس والخيار، لكنه خلا تماماً من أى زيتون! قلت فى نفسى: لابد أن هذه الشركة قد حذت حذو صاحبنا العبقرى الذى أنقص زيتونة، فوفر مئات الملايين.. وعلى الأرجح أن هؤلاء قد وفروا حوالى خمسة مليارات دولار، بعد أن حذفوا الزيتون كله!

ضحكت من سذاجة الحواديت التى يتناقلها الناس عن آيات العبقرية والتفكير خارج الصندوق.. هذه الحواديت التى تخلو من الحبكة المنطقية، فلا يستطيع أمثالى ابتلاعها.. فأولاً: توفير زيتونة لن يكون له هذا التأثير الخطير، ولن يوفر للشركة أكثر من بضع مئات من الدولارات سنوياً وليس مئات الملايين، وثانياً: لأن مدير أى شركة طيران لا يملك العبث بالوجبات التى تتفق شركته مع الموردين على إحضارها لركابه طبقاً لعقود سنوية، وهؤلاء الموردون موزعون على مطارات العالم، ومن الطبيعى أنه لن يخاطبهم، سائلاً إياهم أن يختصروا زيتونة وينقصوا ثمنها من الفاتورة الشهرية التى يرسلونها لفروع شركته بالعواصم المختلفة، وثالثاً: لأن هناك شركات طيران منخفضة التكاليف ظهرت فى السوق، وهى تقدم التوصيلة فقط دون الوجبات، وهذه يقبل عليها الراغبون فى السفر الرخيص، أما الشركات الكبرى التى تقدم مأكولات فإنها تتبارى فى تدليل الراكب وإكرامه وليس فى العبث بطبق السلاطة المقدم له! ورابعاً: لأن هناك بنوداً فى تكلفة التشغيل أكثر أهمية وأعظم أثراً فى التوفير من الوجبات، منها الوقود الذى تسعى الشركات الرشيدة للتحالف مع غيرها من أجل توقيع اتفاقات جماعية للحصول عليه بسعر معقول، ومنها العمالة التى تقوم الشركات بتخفيضها وترشيدها كل فترة، ومنها دمج الرحلات وإلغاء الخطوط الخاسرة.. وخامساً: لأن هذه الإجراءات الساذجة قد تصلح للتوفير عندما يكون هناك احتكار، إنما فى دنيا المنافسة فإنه يصعب على من يسعى للتواجد والاستمرار أن يمارس الاستعباط وكأنه وحده فى السوق.

فى الحقيقة أننى وجدت هذه الحدوتة التى تلف المواقع والمنتديات متفقة مع العقلية الكسولة والمستبدة المسيطرة على النخبة فى بلادنا، والتى اعتادت أن تخرج على الناس بخائب الأفكار والحواديت المقترنة بحلول للمشكلات من خلال أساليب عبيطة لا تعدم جمهوراً مسطولاً يهلل لها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيتونة واحدة زيتونة واحدة



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon