أسامة غريب
كل من يقول الآن إن توفيق عكاشة لم يحصل على أى دكتوراه، وإن الشهادة التى قدمها للبرلمان كانت مضروبة، يحق لنا أن نقول له بملء الفم: وحياة أمك!
ذلك أن الجميع يعرف هذه الحقيقة، والجميع مارس سياسة الاستعباط الكثيف، بل إن بعضهم كان يخاطبه قائلاً: يا دكتور، وهو يعلم أنه يتحدث إلى رجل ستامونى علاقته بالرسائل العلمية مثل علاقة عبدالعاطى بالطب تماماً. كلهم كانوا يعلمون هذا لكنهم حين كانت الحاجة إليه قائمة تجاهلوا ما يعرفونه وتعاملوا مع رجل البط والجرجير باعتباره بحر العلوم! حتى متى نظل نقوم بتمرير الأكاذيب لمن نحب ونغفر له تعديه على القانون وعلى حرمات الناس، فإذا صدرت الأوامر بالاستغناء عنه، سمعنا من كان حبيبه بالأمس يقول إنه حقق ثروة من السمسرة فى الأراضى تقدر بمئات الملايين وأنه يمتلك 500 فيلا!. أى وطن هذا يا قوم؟ وما هذه الحياة الآسنة العفنة التى تغوصون بنا داخلها؟
إن تدلّه توفيق عكاشة فى الهوى الإسرائيلى ليس جديداً، والتسجيلات الموجودة على اليوتيوب تحمل حلقات الحب والغزل المتبادل بينه وبين الصهاينة، فلماذا الغضب الآن بينما تركتموه يسب الفلسطينيين ويمجد الإسرائيليين طوال السنوات الماضية؟
لدينا حقيقتان فيما يخص إسرائيل، وهما معلقتان فى الهواء أو لنقل معلقتان على الشماعة ويتم استحضار أى منهما حسب الحاجة.. الحقيقة الأولى أن إسرائيل عدو تاريخى، ومن يتعاون معها أو يُظهر حباً لها يمكن تأديبه بعد تأليب الشعب عليه واستدعاء التراث المصرى الغابر فى المقاومة ومناصرة فلسطين. والحقيقة الأخرى التى قد يتم تناولها من على الشماعة وإظهارها للعيان هى أن إسرائيل دولة عادية مثلها مثل أى دولة بالعالم وأن زيارتها ليست جريمة طبقاً للقانون، كما أن لقاء مسؤوليها لا يندرج تحت أى قانون للعقوبات.. أما عن استدعاء أى من هاتين الحقيقتين فهذا يتوقف على هل نريد إدانة الشخص أم نريد تكريمه؟ ومن العجيب أننا قد نحتفى بحب أحدهم للإسرائيليين اليوم ثم نحاكمه على نفس الحب غداً!
يقال إن مشكلة عكاشة مع من أطلقوه طوال السنوات الماضية هى رغبته الدائمة فى التجويد.. الرجل لا يلتزم بالنص ويريد أن يُطلع الناظر طوال الوقت على شطارته وقدراته، بينما من يلتزمون بالمكتوب ويسيرون على الكتالوج يظل الاحتياج إليهم دائما، والرغبة فى إيذائهم وفضحهم والتضحية بهم عند الحدود الدنيا!
لا أظن أن الفصل الذى شهدناه هو الفصل الأخير بالنسبة لعكاشة، فتطورات المستقبل قد تدفع إلى الاحتياج إليه، وعندها قد يعيدونه من الاعتزال إلى الملاعب بناء على طلب الجماهير، وقد يعيدون الاعتبار إلى الدكتوراه الفالصو وإلى الجامعة غير الموجودة، وقد يأتون بأستاذ جامعى مفتخر يعلن أن الحصول على الدكتوراه من أمريكا لا يشترط أى معرفة باللغة الإنجليزية، حيث إن الأمريكان يمتلكون أدوات ووسائل تقيس العلم داخل الدماغ من دون أن يفتح الزبون فمه بالكلام، وأنهم قد وجدوا أن ما لدى جمجمة الرجل يمنحه الدكتوراه دون حديث أو كتابة.. كل هذا على غرابته قد يحدث.. والأيام «بينما» على رأى اللمبى!