توقيت القاهرة المحلي 02:36:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شرخ داخلي

  مصر اليوم -

شرخ داخلي

أسامة غريب

أثناء الدراسة الجامعية كان لنا أستاذ يدرّسنا الشعر والتذوق الأدبى، وكان المدرج فى محاضرته يمتلئ عن آخره، حيث امتلك الرجل أدوات المحاضر المتمكن، وكانت له موهبة لافتة فى التدريس وتأليف قلوب الطلبة من حوله. لم أكن أختلف عن غيرى من حيث حبى لهذا الأستاذ وشغفى بحضور دروسه والاستماع إليه.

ذات محاضرة كان يتحدث إلينا عن أغراض الشعر العربى القديم، وعندما وصل إلى الحديث عن الرثاء أنشد لنا نماذج مؤثرة من الأشعار التى تعد من عيون الشعر العربى، ثم أخبرنا بأن الشاعر العربى القديم رثى أمه وأباه وأخته وأخاه وابنه وابنته لكنه لم يسمح لنفسه أبداً أن يرثى زوجته!. وأضاف أن العربى كان إذا ماتت زوجته أحل أخرى محلها على الفور قائلاً: بدّلتُ فرشى. سأله أحد الطلاب: هل هذا معقول.. أليس هناك من الشعراء العرب الجاحدين من رثا زوجة كان يحبها؟. نفى الأستاذ الأمر نفياً قاطعاً، وقال إنه يتحدى أن يعثر أحدنا على شىء من هذا!

كنت أعرف بسبب حبى للشعر أن رثاء الزوجات ليس أمراً متكرراً عند الشاعر العربى القديم، لكنى كنت أعرف أيضاً أن النفى القاطع الذى جزم به الأستاذ غير صحيح فرفعت يدى مستأذنا فى الكلام، فلما أذن لى الأستاذ قلت: إن هناك قصيدة رائعة قرأتها للشاعر جرير رثا فيها زوجته بأبيات من أنقى وأرق ما قيل فى الرثاء. وهنا تحول وجه الأستاذ إلى اللون الأحمر وبدا عليه أنه تفاجأ ثم سألنى فى تهكم: هل تريد أن تقول إنك تعرف أكثر منى فى هذا الأمر؟. أدهشنى الرد من الأستاذ ألذى أحبه وأحترمه وأشعرنى بالارتباك، لكن غُدّة التحدى التى تفرز فى مثل هذه الأحوال ساعدتنى على أن أقول له: عفواً أستاذى أنا لا أطاولك فى هذا الأمر وبالرغم من ذلك فإن الشاعر جرير قد قال فى رثاء زوجته:

لولا الحياء لهاجنى استعبارُ

ولزرت قبرك والحبيب يزار

ولّهت قلبى إذ علتنى كبرةٌ

وذوو التمائم من بنيك صغار

صلى الملائكة الذين تُخيروا

والطيبون عليك والأبرار

لا يلبث القرناءُ أن يتفرقوا

ليل يكر عليهمُ ونهار

ما كدت أنتهى من أبيات جرير حتى صاح الأستاذ وهو يرمى شرره تجاهى: طيب يا فالح.. اقعد. ثم أنهى المحاضرة فى عصبية وانصرف!

لم أفهم سر غضبه وعصبيته فأنا لم أغلط فى شىء.. هو الذى أخذته العزة بالإثم مع أنه لا يقلل من قدره خفاء هذا الأمر التافه عنه.. لكنها النفس البشرية العجيبة!

وقتها لم أكن قد قرأت بعد عن العلامة الأستاذ محمود شاكر وقصة خلافه الشهير مع الدكتور طه حسين عندما كان يدرس على يديه، وكانت له وقفة مع الدكتور طه، حيث كشف المواضع التى اقتبسها طه حسين من بعض المستشرقين ووضعها فى كتاب الشعر الجاهلى منسوبة لنفسه!. وعندها كان رد الدكتور طه لا يختلف عن رد أستاذى الذى يعلم الله أننى لم أقصد إحراجه أبداً، على العكس كنت أظنه سيسعد بى ويقربنى منه. لم يحتمل محمود شاكر الموقف فترك الجامعة إلى الأبد وهاجر إلى الحجاز لسنوات طويلة. أما أنا فلم أهاجر للخارج، لكنى هاجرت إلى داخل نفسى بعد أن أصبت بشرخ لم تفلح الأيام فى رأبه!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شرخ داخلي شرخ داخلي



GMT 09:38 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

لمن يهتف المتظاهرون؟

GMT 09:36 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 09:35 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 09:33 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 09:32 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أيُّ غدٍ للبنان بعد الحرب؟

GMT 09:30 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 09:29 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

GMT 09:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أما رابعهم فهو المُدَّعي خان

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 03:10 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

داليدا خليل تستعد للمشاركة في الدراما المصرية

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

أهالي قرية السلاموني يعانون من الغرامات

GMT 02:17 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

فوائد عصير الكرانبري لعلاج السلس البولي

GMT 01:18 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

سامسونج تكشف عن نسخة باللون الأحمر من جلاكسى S8

GMT 17:27 2022 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

أطعمة تمنع مرض الزهايمر أبرزها الأسماك الدهنية

GMT 15:02 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

ريلمي تعلن موعد إطلاق النسخة الجديدة من هاتف Realme GT Neo2T

GMT 13:46 2021 الثلاثاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

رامي جمال يروج لأغنية "خليكي" بعد عودة انستجرام

GMT 04:47 2021 الأربعاء ,08 أيلول / سبتمبر

{غولدمان ساكس} يخفض توقعات نمو الاقتصاد الأميركي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon