بقلم أسامة غريب
ربما تكون وثائق بنما التى ظهرت مؤخراً قد كشفت جانباً من فساد الحكام العرب، لكنها لم تشرح أسبابه، وفى تصورى أن مؤتمرات القمة التى تجمع كل الحكام العرب هى أصل المشكلة، لأنهم حين يلتقون فإنه من الطبيعى أنهم يتفاعلون ويقتربون من بعض إنسانياً ويتبادلون المعارف والخبرات.
ولما كانوا فى غالبيتهم من الجهلة الذين لم يدخلوا مدارس من الأساس، أو من الجهلة الذين دخلوا مدارس وخرجوا منها كما دخلوا، فإنهم لا يتورعون عن ممارسة الكيد ضد بعضهم البعض، فمنهم الملك الذى يتيه على الآخرين بالقصر الذى اشتراه فى جزر الآزور وبنى جدرانه من الذهب الخالص لتمضية يوم واحد فى السنة، ومنهم الشيخ الذى يحدثهم عن العراف الهندى الذى التقاه وأصبح يثق فيه ولا يتخذ قراراً دون مشورته، خاصة بعد أن نبهه إلى مؤامرات القصر التى كانت تدبر ضده، ومنهم الرئيس الذى يتضايق من حواديت الشيوخ السفيهة عن المال والخرافات فيسعى لأن يبهرهم ويبث الرعب فى قلوبهم بأن يحكى لهم عن عدد الرقاب التى قطعها خلال الشهر الأخير وعدد الذين ألقى بهم فى السجون، ومنهم الأمير الذى فاتته الحلقة الأخيرة من المسلسل التركى ويريد أن يعرف ما حدث لمهند، ومنهم الزعيم الذى يحكى لهم عن الخلطة السرية التى تطيل العمر والتى جند علماء سويسرا لاختراعها حتى أتوا له بحقنة الإكسير التى أبعدت عنه الشيخوخة وأمدته بفحولة أصبحت تشكل عبئاً على حريمه!.
ولما كان أولئك الناس فى الغالب غير محصنين بالتربية ولا بالتعليم، فإن جلساتهم سوياً واندماجهم فى الأنس والسرور تجعلهم يتأثرون ببعض، ويرغب كل منهم فى تقليد شقيقه فيما يفعله.. ومن هنا فى الحقيقة أتت كل الكوارث التى يعانيها المواطن العربى، فالبلد العربى البسيط الذى ما زال الناس فيه على الفطرة، والذى لا يعرف سياسة تعذيب المواطنين بواسطة أجهزة الأمن، يشعر شيخه بالغيرة من الرئيس قاطع الرقاب فيسعى لاستيراد الخبرة الأمنية من عنده.
أما البلد الرئاسى الذى يفترض أنه محكوم بدستور وقانون، ويفترض أن الرئيس فيه موظف له راتب، فإن زعيمه لا يتصور أبداً أن يكون الملك فلان أو الأمير علان أو الشيخ ترتان - وهو يفضلهم - يستطيعون شراء جزر بأكملها وهو لا يستطيع، ويتمكنون من جلب العرافين الذين يحافظون لهم على ملكهم إلى الأبد وهو لا يتمكن، ويستأثرون بالخلطات التى تطيل العمر وتقوى الباه وتغلظه، بينما يكتفى هو بصبغ شعره كما يستطيع أن يفعل أى صعلوك!.. من هنا ينفتح الباب على خلط المال العام بماليته الخاصة، وهو فى هذا يتأسى بأشقائه الذين يحكمون بلاداً ليس بها رقابة ولا مساءلة، وكل ما تخرجه الأرض من ثروات هو ملك خالص للحكام.. كذلك يرى أولاده أنهم ليسوا أقل من الأمراء من أبناء أشقائه الملوك، لذلك يسعى ليجعلهم أثرياء بلا حدود!.
لذا فإن الحل المقترح لتحجيم منسوب الفساد العربى هو إلغاء مؤتمرات القمة والحؤول دون جلوسهم سوياً، لأنه قد ثبت أنهم يفسدون بعضهم بعضاً، فضلاً عن ذلك فإن القرارات المصيرية تأتيهم من الخارج فيبصمون عليها، ومن الأفضل أن يبصم كل واحد وهو فى بلده!