توقيت القاهرة المحلي 16:23:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لغة واحدة

  مصر اليوم -

لغة واحدة

أسامة غريب

زمان عندما هممت بالسفر للخارج أول مرة كانت فرنسا هى الوجهة، وكانت النصيحة الأولى فى ذلك الوقت أن على من يريد الذهاب إلى باريس أن يتسلح أول شىء بمعرفة اللغة الفرنسية. وقيل لنا فى هذا الشأن أشياء كثيرة مثل أن الفرنسى يعتز بلغته اعتزازاً شديداً وأنه قد يرفض أن يرد عليك إذا خاطبته بالإنجليزية!.

فيما بعد سمعت الأمر نفسه وأنا فى طريقى إلى فرانكفورت لزيارة ألمانيا للمرة الأولى. نفس الفقهاء وأهل الفتوى فى السفر قالوا إن الألمانى متغطرس بطبعه، وإن الاقتراب منه صعب إلا إذا كنت تتقن لغته الألمانية، أما إذا حاولت أن تلج إليه مستخدماً لغة أخرى خاصة لو كانت الإنجليزية فأنت تحكم على محاولتك معه بالفشل.

فى الحقيقة أن التجربة العملية أثبتت أن هذا الكلام هو محض هراء، إذ إن المواطن الفرنسى والألمانى وأى إنسان آخر التقيته بأى مكان فى العالم كان يرد إذا حدّثته طالما كان يفهم ما أقول، وإذا استعصى عليه الفهم فإنه كان يبذل أقصى الجهد فى محاولة التفهم والمساعدة.. هذه هى النسبة الغالبة من البشر فى كل زمان ومكان.. محبون ومتعاونون.. أما الأفكار التى كانت تتردد عن الغطرسة الألمانية والعجرفة الفرنسية والغباوة الهولندية فقد ثبت أنها غير صحيحة.

كل ما فى الأمر أن الناس فى أوروبا فى ذلك الوقت من أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات كانوا لا يجيدون أى لغات بخلاف لغاتهم الأصلية، وكان الذى تسأله فى شىء ولا يجيبك إنما يفعل هذا لأنه لا يفهم ما تقول وليس بسبب غلظة فى طبعه أو جفوة جُبل عليها. لذا كان على الزائر من بلادنا للتيسير على نفسه أن يتعلم لغة البلد الذى يقصده.

لم يكن هناك ما يدعو المواطن فى السويد أو النمسا أو إيطاليا لتعلم لغة جديدة طالما أن أمور حياته كانت ميسرة بدون هذه المعرفة، أما عندنا فقد نشطت المراكز الثقافية الأوروبية ومعاهد اللغات، وتبارى الطلبة والشباب فى الالتحاق بها، وكنت ترى بمصر فى ذلك الوقت أعداداً كبيرة ممن يجيدون واحدة أو أكثر من اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والإيطالية، وكانت هذه المعرفة تتيح لهم السفر والتمتع وكسب الرزق والتعرف على أنواع وأنماط جديدة وعمل صداقات بشباب العالم.

كل هذا تغير بعد ذلك بسنوات عندما بدأت ظاهرة العولمة نتيجة سقوط الاتحاد السوفييتى وتحقيق الأمريكان لانتصارهم الكاسح على المعسكر الشرقى.

انتشرت اللغة الإنجليزية بفعل النفوذ الأمريكى الطاغى وبفعل ظهور الكمبيوتر والإنترنت، وكذلك نتيجة تغلغل الشركات القافزة فوق الجنسيات ووصولها إلى كل مكان.

وكان من شأن سيادة نمط الحياة الأمريكية مع انتشار مطاعم الأكلات الأمريكية السريعة وافتتاح فروع لكبرى المؤسسات الدولية فى كل عاصمة، فضلاً عن اجتياح السينما الأمريكية للعالم شرقه وغربه أن وجد الشاب الأوروبى نفسه - مثلنا- محتاجاً لتعلم اللغة الإنجليزية حتى يستطيع أن يجد فرصة عمل داخل بلده!.

ومن هنا تلاشت الحاجة إلى تعلم العديد من اللغات بعد أن أقبل العالم كله على تعلم اللغة الإنجليزية، وأصبح المرء الآن يستطيع أن يسير فى شوارع كوبنهاجن أو جنيف أو برشلونة فيجد الناس يفهمونه حين يتحدث إليهم، لأنهم مثله سعوا لتعلم اللغة الإنجليزية من أجل أن تكون حياتهم أسهل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لغة واحدة لغة واحدة



GMT 09:03 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 09:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 09:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 09:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 08:59 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 08:57 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 08:55 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 08:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon