أسامة غريب
لن يتركك الشيطان فى حالك طالما أنك ترد على مكالماته، وذلك بالرغم من رؤيتك لرقم الطالب. ولا يفيد فى شىء أن تضع السماعة وتغلق الخط فى وجهه إذا لم يرُقك ما عرضه عليك، ذلك أن الشيطان ليس ساذجاً.. سيعرف حتماً أنك تسعى فقط لتحسين شروط الصفقة الجديدة، وأنك تغلف هذه الرغبة بالصوت العالى الذى يبالغ فى لعنه أمام الناس وادعاء الغضب والتعوذ بالله منه طول الوقت. الشيطان صبور ولا يتعجلك ويفهم أنك تبحث عنه كما يبحث عنك، وهو بالإضافة إلى ذلك يتمتع بقدرة كبيرة على ضبط النفس، ولهذا تجده لا يمانع فى أن يستمع إلى شتيمته بأذنه واللعنات التى تستمطرها أنت وأصحابك فوق رأسه ولا يفكر مع ذلك فى أن يغضب منكم أو يؤدبكم، أكثر من هذا أنه يترك لكم مساحة كبيرة للمعارضة والتظاهر ضده، مساحة أكبر من التى تتيحها الأنظمة لمخالفيها عندما تريد أن تثبت للعالم الخارجى أنها ديمقراطية وشفافة. الشيطان يفوق هذه الأنظمة حنكة ودراية، لأنه بمثابة القائد والمعلم لها.. إنه يتركك تعارضه حتى يقتنع أصحابك بأنك من الثوار والأحرار فيتخذونك إماماً يمشون وراءه دون أن يعرفوا شيئاً عن الخطوط التى تفتحها مع الشيطان والرسائل المتبادلة بينكما. هو يراك تصلى ولا تضايقه صلاتك لأنه يعرف أنك ممثل بارع.. يحاول الوصول للجمهور بأسهل الطرق وأكثرها تأثيراً.. يراك تتوجه للأراضى المقدسة لأداء فريضة الحج ولا يهتز،
لأنه يعرف أنك تحج بالمجان ولم تتكلف شيئاً فى حجتك.. يراك ترجُمه ويضحك فى سره حتى يستلقى على قفاه.. وكيف لا يضحك وهو يراك تشارك بعض الراجمين شتمه وقذفه بالنعال ونعت السيدة والدته بألفاظ فاحشة! الشيطان يحتاجك لأن تأثيرك كبير على الناس.. يريدك لأنه يدرك أنك فى قرارة نفسك تدين له بكل شىء. من الطبيعى ألا يعترف المرء بأنه يستلطف الشيطان ويسير على خطاه، إنه لو فعل ذلك لكان عميلاً غبياً محروقاً لا فائدة منه، بل إن العميل المزدوج فى هذه الحالة يكون خيراً منه!. الولاء التام مطلوب لكنه يتطلب إبداء مظاهر الورع وأمارات الثورية. صحيح أنك بدأت تتفلت من قيود الحصافة وأخذت فى شتم المؤمنين والثوار ونعتهم بالمخنثين والجهلاء، لكنك مع ذلك تختلف عن غيرك من الزلنطحية الذين يسيئون للشيطان ويكشفون أنفسهم بسهولة.. أنت شخص حويط، سرعان ما تسترد نفسك وتعود إلى اللؤم الفطرى والخبث الطبيعى الذى يملأ روحك.. الشيطان يعلم أنك قذر إلى أقصى حد ولهذا فإنه يوفر لك محيطاً واسعاً من الدنس، يستوعب أحلامك، ويعلم أنك تحملت مجالسة الثوار والمؤمنين ردحاً من الزمن عندما تظاهرت بأنك منهم، لكن لا تنس أنك كسبت مالاً كثيراً من ادعاء الثورية، ثم كسبت مالاً أكثر من لعن الثورة والثوار، هو يعرف عنك كل شىء، لذلك فإنه يزنك بميزان الذهب، ولا يعدلك بغيرك من الجانحين والعصاة الذين يسهل أن يعودوا إلى الله لدى أول اختبار!. الشيطان لا يعتبرك مجرد عبد ضال نجح فى إغوائه، لكنه يراك مناضلاً حاربت تحت رايته ضد الشرف والأمانة حتى وصلت أخيراً للمرفأ الذى يريح روحك المتعبة. عِم صباحاً يا ربيب الشيطان وأكمل مشوار الجحيم فى صحبة حبيبك وصفيك وخليلك، وكن مخلصاً على الدوام لشعارك الأبدى: مع الشيطان ذاك أفضل!