بقلم - أسامة غريب
أُقيمت صلاة التراويح، للمرة الأولى، في تايمز سكوير بمانهاتن، في السبت الثانى من إبريل لهذا العام، وقد ترتبت على هذه التظاهرة تداعيات وردود أفعال تباينت في حدتها ومنطقيتها وكذلك في غرائبيتها، فمن قائل إن هذه الصلاة قد بينت للعالم عظمة الإسلام وأنه دين السلام والمحبة، ومن قائل إنها تظاهرة هدفها الشو والاستعراض، وكذلك هناك مَن صوّروا الأمر على أنه نصر من الله وفتح مبين بعد أن انتصر الإسلام في عقر دار الكفر والإلحاد وسجل فوزًا في غزوة لا تقل أثرًا عن غزوة الصناديق التي نذكرها جيدًا في مصر!.
وبعيدًا عن كل التحليلات التي ذهب إليها مَن طالعوا الحدث وفكروا في دلالاته، فإننى أرى المسألة كأحد تجليات الأزمة التي يعيشها المسلم المعاصر في بلاد المسلمين وخارجها، ففى بلاد المسلمين تُعتبر الصلاة في الساحات إعلانًا من المواطن الفقير المنسحق أنه يعبدالله ويُشهد الناس جميعًا على هذا، يفعل ذلك بعد أن تزعزع يقينه بجدارته برضا الله نتيجة الكذب والنفاق وبيع الضمير وتلقى الرشوة ومخالفة القانون والتوسع في إيذاء الغير.. هنا يكون في حاجة ماسّة إلى أن يقنع نفسه والآخرين بأنه مازال في مَعِيّة الله ولم يصل به الفساد بعد إلى مرحلة الحرمان من رحمة الخالق.
ورغم ما في صلاة الشوارع والساحات من تضييق على الناس وسد الطرقات في وجوههم فإن هذا آخر ما يشغل المواطن الغارق في الآثام وهو يلتمس نسمة هواء بينما يغوص في الماء الآسن. وطبيعى أن مَن يؤدون هذه الصلوات في الداخل لن يعترفوا بشىء مما سبق وإنما سيعزون الأمر إلى إحياء السنن الكريمة!.
أما الذين يفعلون هذا في بلاد الفرنجة فأمرهم أعجب لأنهم لا يعتزمون أبدًا الاندماج في المجتمع الجديد الكريم المتسامح، وإنما يستغلون كرمه وتسامحه في حيازة مكاسب ما أمكن، والحصول على مساحات داخل المجتمع لا يسمحون بها لغيرهم في بلادهم الأصلية. ولا شك أن الصلاة في ساحة التايمز بنيويورك قد أمّنت لأصحابها تغطية إعلامية كبيرة حول العالم، لكن هل ترتب عليها أن اقتنع المشاهدون لها بعظمة الإسلام وسماحته؟.. لا أظن أن صلاة تُقام بلغة لا يفهمها أحد، وسط ميدان صاخب تنطلق الموسيقى من جنباته كلها، ويقف الشباب هناك على جانب الرصيف المقابل يرقصون ويشربون، بينما تتلألأ أضواء إعلاناته وتضرب الفلاشات في العيون فتُشتت الانتباه وتُضعف التركيز وتُفقد المصلين الخشوع الواجب في الصلاة.. لا أظنها تمثل دعاية إيجابية للدين وأصحابه، فضلًا عن أن الفتيات اللاتى استجبن للدعوة وجدن حرجًا في الركوع والسجود أمام آلاف الغرباء فاكتفين بالوقوف وفى أيديهن الموبايلات لتصوير الحدث، وقد كان من الأكرم أن يصلى الناس داخل المساجد وما أكثرها في نيويورك. أما الصورة الإيجابية الطيبة عن المسلمين فسوف نحصل عليها عندما نتبنى في بلادنا قيم العلم والاجتهاد والتسامح والشفافية، وكذلك عندما نحب- كمهاجرين- الأوطان الجديدة ونخلص لها بدلًا من النظر إلى المنافع التي نجتبيها منها بحسبانها غنائم من الكفار!.