بقلم - أسامة غريب
كانت الإعلانات تطاردنى فى التليفزيون، فهجرتُ القنوات كلها وأصبحت أشاهد تطبيقات تقدم أفلامًا ومباريات كرة، ومع ذلك وجدت الإعلانات تأتى ورائى وكأن شيئًا لم يكن.
يتوالى الإلحاح على المُشاهد بإعلانات عن كل أنواع السلع والخدمات، لكن أغربها هو الإعلانات الخاصة بالشاى، فهناك ماركات عديدة من الشاى، وكل ماركة يزعم صاحبها أنها أفضل شاى، وهو وحده القادر على ضبط مزاج المصريين لأنه يحتكر النكهة من دون الأصناف الأخرى. وجه الغرابة فى الأمر أننا دولة لا تنتج الشاى لكن تستورده، وهى فى هذا الاستيراد لا تقوم بالتنويع بين منتجات مختلفة كما نرى فى بلاد ربنا كلها.. هناك يخيرونك ما بين أكثر من عشرين صنفًا من الشاى، كلها تختلف عن بعضها فى الطعم والرائحة.
أما هنا فالمسألة أن شحنة الشاى يتم التوصية عليها من قبل شركة استيراد تطلبها لحساب مجموعة من التجار، وعندما تصل السفينة للميناء يقوم كل تاجر بتوجيه أسطول سياراته حيث يتم تحميل نصيبه والرحيل إلى حيث مصنعه أو معمله أيًا كان مقره سواء على قطعة أرض زراعية أو فى عمق الصحراء أو تحت بير السلم، وهناك تتم تعبئة الشاى وتغليفه وتجهيزه تمهيدًا للنزول إلى المحال وتسويقه للمستهلكين.
الخلاصة؛ أن كل الأنواع هى نوع واحد تم تقسيمه على التجار، حيث اختار كل منهم لمنتجه اسمًا يميزه، ثم مضى إلى شركة الإعلانات التى تكفلت بالعمل الأساسى فى الترويج لهذا الاسم، باعتباره يختلف عن أقرانه من الأسماء الأخرى، مع أنه أتى معها على نفس المركب، فى نفس الحاوية!.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للسمن عن الحالة السابقة، فالعادة أن مجموعة من التجار أيضًا يشتركون فى طلبية كبيرة حتى يكون السعر رخيصًا، ثم يتم تحميل السفينة بكتلة شديدة الضخامة من مادة دهنية جيلاتينية متماسكة تزن عدة أطنان.. وعند الوصول إلى الميناء، يرسل كل تاجر سياراته الناقلة لتحمل نصيبه المتفق عليه من الشحنة، وتمضى به إلى المصنع حيث يتم تجهيزه ومنحه بعض الإضافات قبل تعبئته فى صفائح مكتوب عليها بألوان مبهجة الاسم الذى اختاره التاجر لمنتجه، وغالبًا ما يكون اسمًا موحيًا من أجل فتح شهية المستهلك واجتذاب ربة البيت للشراء بإقناعها بأن هذا النوع رائع وجميل ومتميز عن غيره بالنكهة والترميلة، وأنه خفيف على المعدة وصحى جدًا، رغم كونه لذيذًا وفاتحًا للشهية.
كل هذا يقولونه فى الإعلان مع صور لموائد عامرة بأطيب الطعام، وفتيات جميلات تمتدح المنتج الذى لا تستطيع الواحدة منهن أن تستغنى عنه أبدًا؛ لأنه يختلف تمامًا عن كل ما عداه من منتجات تملأ السوق!.. هذا على الرغم من أن كل الأنواع هى نوع واحد أتى على نفس المركب، وتم فصله بالمنشار ليذهب إلى صاحبه الذى لا يتحرج من الزعم بأن منتجه مختلف وكأنه صنعه فعلًا!.