توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأرضى والمحمول

  مصر اليوم -

الأرضى والمحمول

بقلم - أسامة غريب

للتليفون الأرضى الثابت تقاليد ترسخت عبر عشرات السنين منها أنه لا يصح طلب الناس بالبيوت في وقت متأخر خشية أن يكون أهل البيت قد خلدوا إلى النوم، أما التليفون المحمول فإن اختراعه قد شكل خروجًا على هذه التقاليد، وطبيعى أنّ الاقتحام والاستباحة عنصران أساسيان في تكوينه!. ومع هذا فلا ينكر فضل هذا الختراع إلا جاحد، إذ إنه قد يكون وسيلة سريعة لطلب النجدة وقت الأزمات، كما أنه يمكّنك من مكالمة أقصى الأرض وأنت جالس في القطار أو على شاطئ البحر. التليفون المحمول يرن في جيبك في أي وقت وأى مكان لأن الغرض الفعلى من اختراعه أن يبقينا على صلة بالآخرين ويجعلنا متاحين لهم 24 ساعة في اليوم. لكن لأن الدنيا لا تصفو تماما فإن لهذا الاختراع مشكلاته نابعة من خصائصه. لقد اعتدت أن أرد على المحمول بصوت خفيض أثناء وجودى بمكان عام حتى لا أزعج الآخرين أو أطلعهم على شؤونى الخاصة، لكن هذا الفعل الذي أظنه بديهياً ليس كذلك، إذ إن معظم الناس يتحدثون بالمحمول أثناء ركوبهم الباص أو حال وقوفهم بطابور السينما أو جلوسهم بالمقهى بصوت عال، وهم يناقشون في المكالمة أدق تفاصيل الحياة حتى الحميم منها والمُخجل!.

ومن المفارقات العجيبة أننى تعرضت مرة لحادث سيارة سبّب لى إغماءة قصيرة، فلما استعدت الوعى كان المحمول الملقى في أرضية السيارة يرن بإلحاح، وعندما استجمعت قواى وانحنيت لالتقاطه أتانى صوت من الطرف الآخر لشخص لا أعرفه يتهلل فرحا وهو يحدثنى عن سعادته بروايتى الأخيرة التي قرأها في جلسة واحدة.. لم أكن أعرف بماذا أرد بعد الارتطام العنيف وأنا أشبه السكران من الدوخة والألم. أغلقت السكة فطلبنى مرة أخرى وهو يعتذر عن انقطاع المكالمة ويستكمل مناقشتى في الكتاب. لم أدر ماذا أفعل.. هل أصارحه بحالتى وأحكى له عن السائق الغشوم الذي انحرف نحوى بسيارته منذ دقائق فاضطرنى للصعود على الرصيف والارتطام بالحائط، أم أخبره عن الآلام التي تمزق رقبتى وظهرى أم أطلب منه أن يطلبنى في وقت آخر؟.. الغريب أننى لم أفعل شيئا من هذا.. تركته يتحدث ويستعرض معى فصول الرواية، ثم وعدته باللقاء في أقرب فرصة وأنهيت المكالمة دون أن يعرف شيئا عن الحادث الذي ظللت أتعالج من آثاره لثلاثة شهور!.

والغريب أننى لا أغلق التليفون عند النوم أبدا.. دائما عندى إحساس بأن مكالمة مهمة قد تأتى في هذه الأثناء، رغم أن ما يأتى يتراوح غالبا بين مكالمات من شركات إبادة أو شركة تعرض فيلات لقطة بالتقسيط بمقدم عشرة ملايين جنيه! وهى مكالمات لا تفعل سوى إنهاك جهازى العصبى وهرس خلايا مخى، ومع ذلك لا أفقد الأمل معتقدا أن إغلاق الهاتف قد يمنع عنى الخبر الجميل الذي عشت أنتظره طوال حياتى رغم أننى لا أعرف طبيعة هذا الخبر!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأرضى والمحمول الأرضى والمحمول



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon