بقلم - أسامة غريب
خرج البريطانيون من الاتحاد الأوروبى لأنهم ببساطة لم يروا أنفسهم أوروبيين!.. كانت نظرتهم لأنفسهم على الدوام هي أنهم ينتمون إلى هؤلاء المهاجرين الأوائل في كندا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا.. هؤلاء هم الإخوة الحقيقيون، أما الجيران التافهون الذين يتحدثون لغات مضحكة كالإيطالية والإسبانية واليونانية والفرنسية فهم أقوام غرباء لا يجب أن يكون هناك رابط حقيقى بينهم وبين الأنجلو ساكسون.
من الممكن طبعًا أن تكون هناك تحالفات مرحلية لمواجهة أخطار مفاجئة، لكن بعد انزياح الخطر تعود الأمور لطبيعتها، وعندها يمكن المضى قدمًا في توقيع اتفاق مثل «أوكوس» يقتصر على الغرب البيض البروتستانت ليس في مواجهة الصين فقط أو روسيا فقط، بل في مواجهة العالم كله ومن ضمنه طبعًا دول الاتحاد الأوروبى!.. ولو لم يكن الأمر كذلك لما قام الأمريكان والبريطانيون بتحريض ودفع أستراليا لإلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا واستبدالها بغواصات أمريكية.
ما يحدث الآن في أوكرانيا هو جزء من هذه السياسة الهادفة إلى إضعاف الخصوم سواء الروس أو الأوروبيون ومحاولة ضربهم ببعض. لقد بذلت واشنطن جهودًا حثيثة في زمن ترامب لحمل ألمانيا على رفض مشروع السيل الشمالى لنقل الغاز في أنابيب من روسيا عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، وقد كرر بايدن محاولاته دون أي نجاح مع أنجيلا ميركل.. لكن الآن يبادر المستشار الألمانى من تلقاء نفسه بوقف المشروع دون طلب أمريكى!.
يمكن في هذا الإطار التآمرى ضد أوروبا أن ننظر إلى الاحتلال الأمريكى لأجزاء من سوريا، وبالذات منطقة الجزيرة ومنطقة التنف، لأن هذا قد منع قيام مشروع عملاق كان في طريقه للتحقق عام 2013 وذلك لنقل النفط والغاز العراقى والإيرانى عبر مد أنابيب حتى الساحل السورى ومنه إلى أوروبا.
رأت الولايات المتحدة في هذا المشروع تهديدًا للغاز المسال الأمريكى والنفط الصخرى، فضلًا عن أنه يفتح نافذة لأوروبا بعيدًا عن القبضة الأمريكية ويمنح دول الاتحاد الأوروبى أوراقًا تستخدمها في لعبة الأمم مع الخصوم الكبار.
لم ترد واشنطن الخير لأوروبا وإنما كانت السيطرة والإخضاع هما الهدف الدائم في علاقتها بالقارة العجوز، وها هي الحرب في أوكرانيا والتى تم التخطيط لوقوعها بواسطة الحليفين أمريكا وبريطانيا قد وضعت أوروبا بأكملها في مواجهة الروس، ولعل التعثر في المحادثات بين الجانبين الروسى والأوكرانى يعود بالأساس إلى التعنت الأمريكى ورفض إيقاف الحرب.
المطلوب أمريكيًا هو الإيغال في الخصومة ومضاعفة العقوبات على النحو الذي يجعل الروابط تتقطع بالكامل، والعداء يستفحل تمامًا، بحيث تستحيل العودة إلى العلاقات الطبيعية. وهذه المؤامرة التي تبدو جلية لمن يستقرئ الأحداث من شأن مضيها بسلام أن يلحق بالروس والأوروبيين الخراب الاقتصادى، وهو الأمر المطلوب بالنسبة لبريطانيا ذات السياسة الخارجية الخبيثة على الدوام، بالتعاون مع ربيبتها الأمريكية.