بقلم - أسامة غريب
ينجح رجال الدين دائمًا فى سحب الناس بعيدًا عن الأمور الواجب مناقشتها وجرّهم إلى مناطق مملوءة بما لذَّ وطاب من القضايا التافهة الفارغة التى لا تعنى أحدًا. من هذا الفتوى التى شغلت الناس هذا الأسبوع عن أن الزوجة الصالحة هى التى تشجع زوجها على الزواج بامرأة ثانية إذا كان فى الغربة وذلك حتى لا يقع فى الفاحشة!. لطيف جدًا أن نعمل على تحصين الرجل حتى لا يقع فى الفاحشة.
يقولون هذا وكأن هذا الرجل هو ماكينة جنسية تمشى على قدمين ويتعين تشحيمها وتزييتها باستمرار لتجنيبها الرذيلة. يتناسى أصحاب هذا الكلام أن هذه القضية قد تناسب بشرًا يعيشون على كواكب أخرى، أما فى كوكب الأرض فالقضايا التى تهم الرجل المغترب أصعب من هذا بكثير.
فعلى سبيل المثال أستطيع أن أقول 99 بالمائة من المغتربين العرب والمسلمين القادمين من البلاد العربية ومن باكستان وبنجلاديش يعيشون فى الغربة حياة لا تناسب الحيوانات، فهم مكدسون، كل 20 فى غرفة واحدة، ويدور بينهم صراع أبدى على أولوية دخول الحمام!.
فأى فاحشة هذه التى يراها الشيخ تحوم حول عمالة من هذا النوع تقتضى تحصين النفس بزوجة ثانية غير التى تركها بالوطن؟.. وإذا وجد الشخص من هؤلاء مَن ترضاه وتقبل حاله التعس فأين يُسكنها؟.. هل يؤجر لها شقة خاصة تلتهم القروش التى يشقى بها؟.
إن الشخص الذى يمكنه الاستفادة من هذه الفتوى هو الموظف الكبير الذى يحظى بدخل محترم وسكن لائق، وهذا فى الغالب يكون مصطحبًا زوجته معه من أول يوم ولا يحتاج بديلًا لها.
ويمكن الإضافة أن الرجل الذى يترك زوجته بالوطن ويتغرّب من أجل مستقبل أسرته لا يشغله الجنس على النحو الذى يتصوره الشيوخ، وفى الغالب لديه من الروابط العاطفية والوجدانية مع شريكة حياته ما يجعله متطلعًا بشوق إلى العودة فى الإجازات ليحظى بحلو اللقاء، وليس من المعقول أن يحرم نفسه من هذا الشوق المعجون بطعم الحياة. كما أن السادة الشيوخ لا يخبروننا ماذا نفعل بالزوجة الثانية بعد انتهاء عقد العمل والعودة للوطن.. هل نركب الطيارة ونهرب منها، أم نعود بها إلى مسكن الزوجة الأولى؟.
إننى أستطيع من واقع خبرتى بالحياة واستنادًا إلى ما رأيته فى الغربة أن أقول إن من يستفيد من مثل هذه الفتاوى هو الرجل الذى يمقت زوجته ولا يطيق النظر فى وجهها ويتخذ من الدين وسيلة للانتقام من زوجته وإحلال أخرى مكانها أثناء السفر، أما الأزواج المتحابون فلا تدخل هذه الأفكار حياتهم أبدًا.
لا أريد هنا أن أسأل الذين يرحبون بمثل هذه القضايا عن موقفهم من المرأة واحتياجاتها هى الأخرى ما دامت طاقة الرجل الجنسية تشغلهم إلى هذا الحد، ذلك أنهم يعرفون أن المرأة هى الكائن الميال للعفة بعكس الرجل، وهم رغم معرفتهم هذه لا يتوقفون عن وصم المرأة العفيفة بأنها ناقصة عقل ودين، بينما الرجل أبو ريالة الذى يحتاج لمساعدة دائمة حتى لا يقع فى الفاحشة هو مكتمل العقل والدين!.