بقلم - أسامة غريب
عندما قنص الجنود الصهاينة الشهيدة شيرين أبوعاقلة، المراسلة الصحفية، من الأرض المحتلة، فإن التعاطف الجارف معها ومع قضيتها العادلة كان على وشك أن يتدفق فيملأ كل ركن من أركان الوطن العربى، لولا أن شيئًا غريبًا قد ظهر فاعترض هذا الشلال وأخذه فألقى به بعيدًا فى الصحراء وأحل محله بضاعة أخرى لا علاقة لها بالوطنية أو الحمية أو الغيرة على القدس والمقدسات والدم الإنسانى الذى يهدره الجنود الإسرائيليون.
ما ظهر هو صوت عالٍ زاعق لمجموعة مدربة تدريبًا جيدًا على اللزوجة والنطاعة، مجموعة يتم استدعاؤها عند اللزوم لتفسد كل شىء نبيل فى الحياة.. قال هذا الصوت الزاعق: كيف تترحمون على شيرين أبوعاقلة وهى مسيحية؟ أنسيتم دينكم يا قوم؟.. من الممكن أن نذكرها بالخير أو نجمع لأهلها تبرعات، أما الرحمة فلا تجوز على غير المسلم!. أحدثت هذه الأقوال صدمة وكانت بمثابة دُش بارد على رؤوس الناس الذين لم يفهموا كيف يمكن للإنسان أن يصبح هكذا!.. هل التدين يجرّد الإنسان من إنسانيته حقًا ويجعله أسيرًا لمفاهيم مظلمة تملأ العقل بالغِل والكراهية والعدوانية، أم أن الدين رسالة رحمة وخير ومحبة؟.
لا شك أن هذه طبعة غريبة من التدين جاءت إلينا فمحت من بعض الناس ليس العقل فقط ولكنها محت العزة والكرامة وصاغت الأخلاق صياغة جديدة.. وعلى ضوء هذه الصياغة أصبحت الجلافة والغلظة وانعدام الحس هى الطريق إلى الجنة!.
إن ما يصيبنا باليأس أن التحاور المنطقى مع أمثال هؤلاء لن يصل بك إلى شىء، لأن خلايا المخ قد تم حشوها بخرافات آمنوا بأنها هى الدين.. صحيح أن الدفاع عن الدين يقتضى التصدى لهؤلاء الجهلة حتى لا يزداد جهلهم انتشارًا، لكن مَن يملك طاقة ليهدرها فى هذا الاتجاه ومن لديه الاستعداد للتعرض للسب والشتم واللعن والطعن فى الشرف والدين؟!.
من الممكن أن نفهم أن هؤلاء يبحثون عن قضية تافهة وآمنة فى الوقت نفسه، يحرقون فيها طاقتهم ويثبتون فيها لأنفسهم ولأنصارهم أن وجودهم له معنى على غير الحقيقة، لكن أَمَا كان ممكنًا أن يلتمسوا قضية أخرى كالتنمر على فنان أو عمل فنى على طريقة شيوخهم الأقدمين بدلًا من أن يتطاولوا على مناضلة سطرت بدمائها صفحة فى تاريخ نضال المستضعفين ضد الوحوش المحتلين؟!.
يبدو أن تدهور التعليم له دور أكيد فى مثل هذه الظواهر، وأظن أن جهل مرتادى المدارس والجامعات وخريجيها هو الذى صنع ظاهرة المتدين المتوحش الذى يخلو قلبه من الرحمة، والذى ينتصر لنصوص هى محل خلاف على حساب العقل والأخلاق والشرف والرجولة.
إن رحمة ربنا التى وسعت كل شىء تتناقض مع فهم هؤلاء للدين، ذلك أنهم يعتقدون بإمكانية الزواج من امرأة والإنجاب منها وقضاء الحياة معها ومشاركتها حلو الأيام ومُرّها، حتى إذا ماتت أحجمنا عن أن نطلب من الله أن يرحمها بزعم أن الله أوصانا بذلك!.. يا قوم: أى مورستان ألقى بكم علينا؟!.