بقلم - أسامة غريب
كان الاتحاد السوفيتى السابق جزءًا أساسيًا من الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك فإن أطراف هذا التحالف كانت تعلم جيدًا أن السوفيت ليسوا فى حقيقتهم حلفاء دائمين أو حتى يمكن أن تستمر العلاقات الدافئة بهم بعد انتهاء الحرب.. والمثير للسخرية هو ذلك الشعور الذى لم يتوقف بأن دول المحور التى كانوا يحاربونها (ألمانيا- إيطاليا- اليابان) هى دول غربية أقرب إليهم بكثير من الاتحاد السوفيتى الحليف!.
ولعل الريبة المتبادلة بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا من جهة، وبين الاتحاد السوفيتى لا ترجع إلى تضارب المصالح فقط، وإنما للقيم الأساسية المختلفة بين الطرفين.. فبالنسبة إلى الاتحاد السوفيتى ومن بعده روسيا، فإن القيمة الأسمى فى وجدان الحاكم والمحكوم هى الدولة، أما بالنسبة إلى أمريكا وأوروبا الغربية فهى الحرية الفردية والملكية الخاصة.
وإذا كان هناك من لا يفهم المقصود بمصطلح «الغرب»، وهو القوى المناهضة لروسيا حاليًا والتى تعمل بكل هِمّة من أجل إفشال الحملة العسكرية على أوكرانيا، فهنا يمكن استعارة تعريف المؤرخ الأمريكى المتخصص فى تاريخ روسيا ستيفن كوتكين لمصطلح «الغرب» بأنه «ليس مكانًا جغرافيًا وإنما هو مجموعة من القيم والمؤسسات والممارسات».. وعلى ضوء هذا التعريف يمكن القول إن موسكو الواقعة بالقارة الأوروبية لا تنتمى إلى الغرب، بينما اليابان الواقعة فى شمال شرق آسيا، وأستراليا الواقعة فى جنوب شرق آسيا، يمكن أن يتم وصفهما بالغرب!.
وإذا صح أن القيمة العليا لروسيا هى الدولة، فمن الخطأ التاريخى استفزازها بتعريض أمن هذه الدولة للخطر عبر إحاطتها بالأعداء الذين كانوا إلى وقت قريب حلفاء، من خلال استمالتهم وإغرائهم وتزيين العداء لروسيا بحسبانه انتصارا للديمقراطية.. هذا على الرغم من أن بعض هذه البلدان يحكمها اليمين المتطرف الشعبوى المعادى لقيم الغرب.
ومن الملاحظ أن الأمريكان الذين شجعوا الثورات البرتقالية الموالية لهم فى أوروبا قد تحالفوا مع الجماعات النازية، وبالذات كتيبة آزوف الأوكرانية التى تأسست عام 2014، وهى جماعة يمينية عنصرية قال الروس إنها قامت بترويع السكان فى إقليم الدونباس، وقد تم ضمها للحرس الوطنى الأوكرانى.
الغريب أنه جرت محاولة فى الكونجرس عام 2019 لتصنيف الكتيبة كجماعة إرهابية مارست القتل خارج القانون فى شرق أوكرانيا ضد المدنيين ذوى الأصول الروسية، إلا أن واشنطن تراجعت عن تصنيفهم كإرهابيين.
ولا يجوز الاستهانة بدفع الجماعات النازية للحرب ضد الروس جنبًا إلى جنب مع الدواعش الذين تدفقوا من الشرق السورى، فلروسيا تاريخ لا تنساه من الحرب ضد النازية الهتلرية، كما أن لهم تجربة ضد الانفصاليين الشيشان المدعومين من الغرب فى التسعينيات، ولعل هذا المزيج الإرهابى هو ما يعطى للحملة الروسية زخمًا كبيرًا وإصرارًا على الفوز فى الحرب مهما تعاظمت الخسائر.