توقيت القاهرة المحلي 18:08:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغُربة نار كاوية

  مصر اليوم -

الغُربة نار كاوية

بقلم - أسامة غريب

فى أحد بلدان الخليج، كنت أقف بالشارع فى انتظار تاكسى، عندما سمعت صوتًا مصريًا يتحدث صاحبه فى المحمول بانفعال. كان الصوت عاليًا بدرجة ملحوظة، ووضح انهماك صاحبه فى المكالمة لدرجة عزلته عما حوله. رأيت وجهه يحتقن بشدة وهو يقول: أنا لست مغفلًا.. عندما أسألك مالك يجب أن تردى بصدق فى الحال.. لا أريد ملاوعة.. لا لا.. صوتك لا يقول أنك بخير.. هل تظنينى لا أعرفك؟.. لا أحد يفهمك مثلى، إننى أعرف من نبرة صوتك متى تكذبين.. هناك شىء لا تريدين إخبارى به.. قولى لى ما هو.

نسيتُ أمر التاكسى الذى أنتظره وأصختُ السمع للمكالمة التى ظهر لى أن صاحبها الشاب يتحدث إلى امرأته فى مصر، وشعرت بتعاطف عجيب مع المتحدث الذى طلب زوجته أو خطيبته ليسألها عن الأحوال، فإذا بها تجيبه بلهجة لا تدعو للطمأنينة، ثم لا تريحه فتشرح له ما يكدرها. استمع الفتى لصوتها على الناحية الأخرى ثم قال فى أسى: هل تعلمين أنك كلما قلتِ لى لا تشغل بالك ازداد بالى انشغالًا.

وكلما قلت لى مافيش حاجة أيقنت أن هناك ألف حاجة؟.. أنا أسألك ببساطة: مالك؟.. بعد ذلك تحشرج صوته وغص وهو يقول دامعًا: هل تعرفين أننى هنا أطفح الدم وأعيش عيشة الكلاب من أجل سداد أقساط الشقة، وكل ما أريده منك أن تردى على المكالمة بشكل طبيعى لا يحطم أعصابى..أما وقد قلتِ أنا كويسة بشكل مراوغ مليء بالتنهدات، فالواجب أن تكملى وتحكى لى ما حدث.. هل عاد الرجل إياه إللى مضايقتك من جديد؟ نعم؟.. ماذا تقولين؟ ارفعى صوتك أنا لا أسمعك.

أخذ الشاب يلف حول نفسه وهو يجز على أسنانه ويعيد على المرأة الأسئلة علّه يظفر منها بما يريحه ويجعله يعود ساكنًا إلى البيت فينام ليطوى ليلة من ليالى الغربة.

أشفقت على هذا الشاب وأحسست بتعاطف جارف مع حالته.. إنه ببساطة يشعر أن غيابه من أجل توفير الأمان قد فعل العكس، ورفع مظلة الأمان عن أحبائه. كلنا نعرف الناس القريبين منا وندرك أن «الحمد لله» الطبيعية تختلف عن «الحمد لله» الممطوطة التى يتأرجح قائلها بين البوح والكتمان. المسافر المتغرّب عن أهله مثله مثل السجين بالضبط، تحجبه عن أحبائه قضبان المسافة واختلاط الحقائق بالأوهام فى ذهنه، وقد ترك فى الوطن أناسًا لا يعرف ما فعل بهم الزمن فى غيابه.

أكثر ما يؤلم المسافر المتغرب هو علمه أن الجميع سيحرص على إخفاء الأخبار السيئة عنه، والحقيقة أن هذا بالضبط ما يقتله. لو أنهم يخبرونه بكل شىء دون أن يحرصوا على مشاعره، إذن لحقنوا أدرينالينه الذى ينساب، وأعصابه التى تتآكل، ودمه الذى يحترق وهو يستنطقهم ساعيًا لاستخراج الحقيقة منهم.

إن الإمام المُجاهد الذى قال «إن منفاىَ سياحة، وسجنى خلوة» لم يجرب أن يجرى مكالمة لا تبل الريق من خارج الديار مع من يحب، ثم تنتهى وقد قلبت كيانه وزرعت الشك والقلق فى عروقه. حقًا.. الغربة نار كاوية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغُربة نار كاوية الغُربة نار كاوية



GMT 08:29 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

الإجابة عِلم

GMT 08:25 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

العرق الإخواني دساس!!

GMT 08:16 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

وزراء فى حضرة الشيخ

GMT 08:05 2024 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

نجاة «نمرة 2 يكسب أحيانًا»!!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:15 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
  مصر اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب
  مصر اليوم - دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 11:57 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

تامر حسني يكشف سبب تصميمه على كتابة أغانيه
  مصر اليوم - تامر حسني يكشف سبب تصميمه على كتابة أغانيه

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 10:03 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة عمل الفاصوليا البيضاء

GMT 04:45 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن المصري يكشف حقيقة اختطاف فتاة في منطقة "المعادي"

GMT 10:07 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الصحة: تسجيل 106 إصابات جديدة بـ كورونا و12 وفاة

GMT 11:56 2020 الخميس ,13 آب / أغسطس

7 أشكال غريبة لرفوف الكتب تعرفي عليها

GMT 17:04 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

مستشار الرئاسة التركية ياسين أقطاي يوجه رسالة إلى مصر

GMT 08:00 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سيات أتيكا 2020 في مصر رسميًا

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

داليا مصطفى تتعرَّض لعملية نصب وتُحذِّر الفنانين

GMT 08:30 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

تصميمات "الفيونكة" تزيّن مجوهرات العروس في 2019

GMT 17:44 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

بلاغ ضد هالة صدقي بسبب فيديو "حثالة المجتمع"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon