بقلم - أسامة غريب
من عجائب الإعلام فى بلادنا أنه يقدم للجمهور نصائح مضحكة عقب أى حدث يشغل الرأى العام. فى الأسبوع الماضى، فارقت الحياة سائحتان أثناء العوم فى البحر الأحمر نتيجة هجوم لأسماك القرش.. بعدها تبارت الجرائد والمواقع الإخبارية فى تقديم حزمة نصائح لمن تخرج عليه سمكة القرش بشكل مفاجئ، وكيف يجب أن يتصرف بهدوء وأن يلاطف القرش ولا يستفزه حتى ينصرف فى أمان. الغريب أن النصائح تعددت وتضاربت تبعًا للمصدر الذى لجأت إليه الصحيفة ولا أدرى هل لدينا متخصصون فى السلوك الشرس للبحريات المفترسة أم أن الشباب قد استطلعوا آراء مطاعم سمك وجمبرى؟.
ويذكرنى هذا بما حدث فى المجتمع المصرى عقب زلزال عام 1992 الشهير.. وقتها ظل التليفزيون يستضيف بشكل يومى رجالًا قيل لنا إنهم خبراء فى الزلازل، قدموا توصياتهم حول كيفية النجاة عند وقوع الزلزال، وكانت أشهر النصائح هى النزول تحت الترابيزة.. وعقب هذه النصيحة، راج عمل النجارين الذين أقبل عليهم الناس لعمل منضدة فى كل غرفة حتى يكون الناس مستعدون عندما يداهمهم الزلزال.
ونذكر جيدًا عندما أطل علينا وباء الكورونا وفاجأنا قبل أكثر من سنتين أن بعض القنوات استضافت رجلًا قدم للجمهور الحل الشافى والعلاج الناجع الذى قيضه الله خصيصًا لشعب مصر وهو الشلولو!.. بعدها انشغل الناس بالسؤال عن هذا الاختراع وكيفية تحضيره، ومع ذلك فلا أعتقد أن الشلولو قد أنقذ أحدًا أو منع إصابة أحد، لكن الهبد أصبح يشغل وقت الناس ويزيد حياتهم عبثية.
يحدث كذلك عقب قيام شخص أو آخر بالانتحار والتخلص من الحياة، سواء بالقفز من برج القاهرة أو بالسقوط فى النيل، أن يكون هذا مناسبة للحديث عن الاكتئاب وخطورته وتمكنه من المصابين به حتى ليسهل عليهم الانتحار والتضحية بالحياة.. وطبعًا، يتم اغتنام الفرصة لاستضافة رجل دين يتحدث عن المنتحر الكافر الذى سيبوء بغضب من الله، إلى جانب استضافة طبيب أمراض نفسية يتعاطف مع المنتحر ويشرح أسباب الاكتئاب وكيفية مواجهته، مع نصائح للأهل والأصدقاء بالتعامل مع المكتئب. ورغم ذلك فإن أحدًا لا يستفيد فعليًا من الموضوع سوى الطبيب الذى يشتهر ويكثر زبائنه!.
والحقيقة أن كل النصائح التى يدلى بها الخبراء عن كيفية مواجهة الأسد إذا ما صادفك فى الطريق، أو ماذا تصنع إذا سقطت على رأسك بلكونة فى الصحراء، أو الطريقة المثلى لمواجهة التمساح على الشاطئ، أو ملاقاة القرش داخل البحر.. كل هذه النصائح لا فائدة منها على الإطلاق، وهى تشبه تمامًا العرض الذى تقدمه مضيفات الطيران إلزاميًا قبل إقلاع كل رحلة عن كيفية مواجهة السقوط المفاجئ للطائرة، وكيفية ارتداء طوق النجاة، واستعمال قناع الأكسجين.. والحقيقة أنه منذ قام الأخوان رايت باختراع الطائرة، فإنه لم ينجُ راكب واحد نتيجة استفادته من نصائح المضيفة قبل الإقلاع.. وأما الحالات النادرة التى يكون بها ناجون، فإن هذا يكون لأسباب قدرية، ليس من ضمنها العرض التمثيلى الذى لا يشاهده أحد.