بقلم - أسامة غريب
يندهش المهاجر العربى عندما يصل إلى وطنه الجديد فى أوروبا أو أمريكا.. عندما يجد الناس لا تتدخل فى شؤون بعضها البعض ولا تقتحم خصوصية الجيران بالجرأة التى اعتادها فى بلده!..فى العالم العربى السعيد، اعتاد الناس على البساط الأحمدى الذى يعطى للحيزبونات الحق فى سؤال فتاة عن سبب تأخر زواجها، وكذلك سؤال امرأة متزوجة عن عدم حملها، أو سؤالها عن سبب الاكتفاء بطفل واحد فقط. فى الغرب، لا يفعلون هذه الأشياء حتى لو كان الفضول يعتريهم لأنهم تربوا على أن اقتحام خصوصيات الناس يعد من قبيل سوء السلوك. وفى الحقيقة، إن معظم المهاجرين قد تعرضوا لمواجهة الجملة الجميلة السحرية التى توقف الفضوليين عند حدهم وهى جملة: «هذا ليس من شأنك». فى البداية تصدمهم الجملة، لكن مع الوقت يتقبلونها ويفهمون أن صاحبها ليس وقحًا كما تصوروا، لكن الوقاحة إنما صدرت منهم هم عندما سألوا رجلًا لا يعرفونه عن الدين الذى يدين به أو العقيدة التى يعتنقها!. وأتصور أن هذه الجملة الرائعة يمكن أن تكون وسيلة للفرز بين المجتمعات المختلفة.. فى المجتمعات المتحضرة يمكنك أن تقول للمدير إذا سألك عما تنوى أن تفعل هذا المساء: هذا ليس شأنك.. تقولها وأنت مطمئن أنه لن يضطهدك حتى لو تضايق، لكن فى المجتمعات الأخرى لو أنك رددت على المدير هكذا، فسوف تصير منذ اللحظة عدوًا له، ومن المؤكد أنه سيظلمك ويهينك ويؤذيك ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
صحيح أن الناس فى بلاد برة ليسوا أخيارًا دائمًا، وصحيح أن هناك من المديرين من يشذّ عن الصواب ويمارس التسلط، لكن آليات المجتمع قادرة فى الغالب على نصرة المضطهد والمظلوم.
وفى الحقيقة، فإن جملة «هذا ليس من شأنك» هى جملة عظيمة ومفيدة، لكنها مع ذلك لن تردع سوى أصحاب الذوق والأدب فقط، أما الفضوليون المحترفون فسوف يتجاوزونها بعد أن يعدّوها من قبيل الود ومن مستلزمات المرح.. هذا فضلًا عن أن الناس لن تجد فى نفسها القدرة على استخدامها لدى من يستحقونها أكثر من غيرهم، لأن هؤلاء فى الغالب سيكونون من ذوى النفوذ والقدرة على الإيذاء، لهذا فإن استعمالها سيظل محدودًا فى المجتمع.
وللتغلب على هذه المشكلة، ظهر اقتراح تقدم به بعض الحانقين من أجل تشكيل جمعيات أهلية يكون شعارها «هذا ليس من شأنك»، وهذه الجمعيات تهدف لنشر ثقافة مراعاة الخصوصية وعدم دس الأنف فيما لا يعنى الدساس، وأصحاب هذا الاقتراح يراهنون على الزمن والتراكم فى إحداث ثقب يأخذ فى الاتساع تدريجيًا فى جدار البلادة والنطاعة وسوء السلوك.
على أى الأحوال هذا اقتراح محمود، لكنه مع ذلك خيالى.. فأين هو الموظف الذى سيعطيك الترخيص بعمل الجمعية بعد أن يسألك عن الهدف من إنشائها فتقول له: «هذا ليس من شأنك!»؟!.