بقلم - أسامة غريب
هناك قصة رائجة يتداولها الناس على مواقع النت باعتبارها تعبر عن الحكمة والرشد الاقتصادى، وهذه القصة وجدت بعض كتاب الأعمدة الصحفية يستعيرونها ليدللوا لقرائهم على الفرق بيننا وبين العقلاء فى الغرب الذين يخططون لحياتهم ويرسمون كل خطوة بالقلم والمسطرة.
تحكى القصة باختصار عن شركة طيران غربية كانت تحقق خسائر لسنوات متتالية إلى أن جاء مدير جديد للشركة وكان صاحب فكر متطور.. لجأ هذا الرجل من أجل التوفير إلى حيلة مبتكرة، وذلك بأن قام باستبعاد زيتونة واحدة من طبق السلاطة الذى يقدم للركاب مع وجبة الطعام.. زيتونة واحدة ليس أكثر. ويكملون القصة بأن هذا الإجراء البسيط ترتب عليه أن وفرت الشركة خمسمائة مليون دولار فى السنة، وفى رواية أخرى ثلاثمائة مليون دولار.
تذكرت هذه القصة أثناء ركوبى الطائرة الأسبوع الماضى عندما وضعوا أمامى طبق السلاطة، وكان يضم بعض الخس والخيار لكنه خلا تماما من أى زيتون!. قلت فى نفسى لا بد أن هذه الشركة قد حذت حذو صاحبنا العبقرى الذى أنقص زيتونة فوفر مئات الملايين، وعلى الأرجح أن هؤلاء قد وفروا حوالى خمسة مليارات دولار بعد أن حذفوا الزيتون كله!.
ضحكت من سذاجة الحواديت التى يتناقلها الناس عن آيات العبقرية والتفكير خارج الصندوق.. هذه الحواديت التى تخلو من الحبكة المنطقية فلا يستطيع أمثالى ابتلاعها، فأولا توفير زيتونة لن يكون له هذا التأثير الخطير ولن يوفر للشركة أكثر من بضعة مئات من الدولارات سنويا، وليس مئات الملايين، وثانيا لأن مدير أى شركة طيران لا يملك العبث بالوجبات التى تتفق شركته مع الموردين على إحضارها لركابه طبقا لعقود سنوية.
وهؤلاء الموردون موزعون على مطارات العالم، ومن الطبيعى أنه لن يخاطبهم سائلا إياهم أن يختصروا زيتونة وينقصوا ثمنها من الفاتورة الشهرية التى يرسلونها لفروع شركته بالعواصم المختلفة، وثالثا لأن هناك شركات طيران منخفضة التكاليف ظهرت فى السوق وهى تقدم التوصيلة فقط دون الوجبات، وهذه يقبل عليها الراغبون فى السفر الرخيص.
أما الشركات الكبرى التى تقدم مأكولات فإنها تتبارى فى تدليل الراكب وإكرامه وليس فى العبث بطبق السلاطة المقدم له!، ورابعا لأن هناك بنودا فى تكلفة التشغيل أكثر أهمية وأعظم أثرا فى التوفير من الوجبات، منها الوقود الذى تسعى الشركات الرشيدة للتحالف مع غيرها من أجل توقيع اتفاقات جماعية للحصول عليه بسعر معقول، ومنها العمالة التى تقوم الشركات بتخفيضها وترشيدها كل فترة، ومنها دمج الرحلات وإلغاء الخطوط الخاسرة.
وخامسا لأن هذه الإجراءات الساذجة قد تصلح للتوفير عندما يكون هناك احتكار، إنما فى دنيا المنافسة فإنه يصعب على من يسعى للتواجد والاستمرار أن يمارس الاستعباط وكأنه وحده فى السوق.
فى الحقيقة أننى وجدت هذه الحدوتة التى تلف المواقع والمنتديات شديدة السذاجة وتناسب العقليات الكسولة التى تسعد بالحلول الوهمية لمشكلات شديدة التعقيد.