بقلم - أسامة غريب
الدعم السياسى والاقتصادى والعسكرى الذى تقدمه دول أوروبا للحرب الأمريكية ضد روسيا، والتى تدور على الأرض الأوكرانية، يشبه بالضبط ما كانت تفعله الكتيبة السنغالية والقوات التى تم جمعها من ساحل العاج والجزائر ومالى لتحارب إلى جانب فرنسا فى الحرب العالمية، أو العساكر الهنود الذين ماتوا وهم يقاتلون تحت راية بريطانيا فى نفس الحرب. بلاد محتلة يحارب بعض أبنائها فى صفوف الاستعمار الذى يحتل بلادهم ويفرض عليها الذل. ما مصلحة الأوروبى فى السويد أو فى بلغاريا ليشارك فى حرب ضد جار أوروبى لصالح الأمريكان؟، قد يقال: حتى لا يأتى الدور عليهم بعد ذلك عندما تنفتح شهية الدب الروسى للحم الجيران.. لكن هنا يكمن العوار، إذ إن الشهية الأمريكية هى المفتوحة على اتساعها للحم الروسى بعد أن التهمت محيطه بالكامل، وهيمنت على كل دول حلف وارسو السابق، واتخذت من أراضيها منصات لصواريخ الناتو.
الألمان والفرنسيون، وكذلك الإيطاليون، يعون جيدًا التغلغل الأمريكى الذى أنشب مخالبه فى بلادهم باسم الصداقة والدفاع عن قيم الديمقراطية والعالم الحر، لكنهم من دون مساندة بريطانيا لا يستطيعون أن يفعلوا الكثير، وها هم تحت الضغط الرهيب قد اضطروا إلى مسايرة الوحش الأمريكى وربيبه أو ربّه البريطانى، وانساقوا نحو اتخاذ إجراءات ضد روسيا لم يكونوا راغبين فيها بالمرّة.. إجراءات ستجعل عودة الصلات الطبيعية مع موسكو فى غاية العسر. لو أن ألمانيا كانت حرة فى قرارها لاختارت المضى فى مشروع السيل الشمالى مع الروس، حيث كان الغاز سيتدفق فى الأنابيب بعد وقت قصير، وكانت ألمانيا ومعها فرنسا وباقى دول أوروبا قادرين على إيقاف القتال والوصول لحل يضمن للأوكرانيين السلام وللروس الأمان بعيدًا عن قواعد الناتو العسكرية. ما يمنع فرنسا وألمانيا من اتخاذ قرارات لصالح شعبيهما هو الإرهاب والضغط الأمريكى والدفع بأوروبا فى أتون حرب أمريكية المنشأ والمقصد. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والدعاية الأمريكية لا تكف بكل السبل عن نشر أن هزيمة ألمانيا ودحر النازية إنما تم بفضل التدخل الحاسم للولايات المتحدة الأمريكية.. وهذه فى حقيقة الأمر أكذوبة ذائعة، إذ إن التدخل الأمريكى رغم تأثيره لم يكن هو العامل الحاسم، فقد كان الروس فى كل الأحوال سيدخلون برلين ويقوضونها على رأس هتلر وقواده.. لقد تدخل الأمريكان ليقتسموا الكعكة مع السوفيت، أما فرنسا فقد كانت ستتحرر دون إنزال نورماندى، وذلك بعد أن تصبح ألمانيا بأكملها محتلة من السوفيت. من وقتها أصبحت أوروبا مرتهنة بيد الأمريكان ولم يفلح التململ الفرنسى فى حفز بقية الدول على النأى بعيدًا عن مخططات واشنطن. إن موقف الرئيس ماكرون وتصريحه حول عدم وجوب حل المسألة الأوكرانية عن طريق إذلال روسيا يوضح الموقف الأوروبى من القضية، فبينما فرنسا وألمانيا ترغبان فى حفظ كرامة جار سيظل جارًا إلى الأبد، فإن أمريكا لا تريد سوى أن ترى هذا الجار جثة هامدة مقطعة الأوصال.. وربما كانت أوروبا وهى تنصاع للمشيئة الأمريكية صاغرة تدعو للروس بالنصر فى سرها!.