بقلم - أسامة غريب
بينما كان العالم يستعد للوصول إلى نهاية المشوار الماراثونى الطويل الذى قطعته المفاوضات النووية بين إيران والدول المعنية بالوصول إلى اتفاق هذا الأسبوع، إذا بالمفاوضات تتوقف والوفود تعود إلى قواعدها دون أن يصدر بيان يحدد موعدا للتوقيع أو حتى لجولة مفاوضات جديدة. كان المتبقى، طبقا للتقارير الواردة من فيينا، هو تفصيلات بسيطة بعد أن تم الوصول لتفاهمات حول الأمور الأساسية، وأهمها لجم الطموح النووى الإيرانى بالتزامن مع رفع العقوبات التى قررتها الولايات المتحدة ضد إيران، ثم أرغمت دول العالم، كبيرها وصغيرها، على الانصياع لها. المفاجأة التى حدثت فى الأيام الماضية هى تقدم وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بطلب الحصول على تعهد مكتوب من الولايات المتحدة بأن الاتفاق الجديد بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد سوف يتضمن إعفاء التعاون العسكرى والاقتصادى بين روسيا وإيران من العقوبات التى أصدرها الأمريكان بحق روسيا عقب غزوها للأراضى الأوكرانية.
روسيا هنا تريد وضع العصا فى عجلة المفاوضات لتوقف توجهها بسلام نحو خط النهاية، وتريد أن تخلط الأوراق وتبتز الدول الغربية مستفيدة من وجودها كطرف أساسى فى الاتفاق النووى. فاجأ هذا الطلب طهران لأنه تم دون تنسيق أو تشاور مع الجانب الإيرانى، ومع هذا فإن الموقف الرسمى الإيرانى اتسم بالحذر وعدم الاندفاع فى إدانة الخطوة الروسية مكتفيا بالتعبير عن أنه غير مسموح لأى عامل خارجى بالتأثير سلبا على سير المحادثات.
ومن المعروف أن العلاقة بين الروس والإيرانيين تشوبها علامات تعجب يغض الطرفان النظر حولها من أجل التوقيع على اتفاقية الشراكة الإيرانية الروسية، أسوة بتلك الموقعة بين إيران والصين فى العام الماضى. ومن الطبيعى أن الذاكرة الإيرانية قد عادت إلى التسجيلات الخاصة بوزير الخارجية السابق ظريف جواد، تلك التى تسربت قبيل الانتخابات الإيرانية العام الماضى، والتى ورد فيها أن الروس كانوا الطرف الذى حاول جاهدا عرقلة الوصول إلى اتفاق عام 2015.
اليوم سوف تتزايد شكوك طهران حول روسيا التى قد تفضل أن ترى إيران محاصرة ومعاقبة دوليا حتى تظل فى حاجة لمساعدة الروس عن أن تراها تحررت اقتصاديا وانفتحت على العالم. مفهوم أن إيران المحاصَرة التى لا تثق بالولايات المتحدة ولا بدول أوروبا التابعة لها تسعى للتعاون مع موسكو لأجل فك الحصار، لكن عند توقيع الاتفاق النووى الذى يزيل القيود الخانقة للاقتصاد الإيرانى فإن الحاجة لروسيا ستقل، وكظم الغيظ نتيجة تعاون الروس مع إسرائيل فى قصفهم للمواقع الإيرانية بسوريا لن يستمر، وقد ترى روسيا وقتها من إيران وجها لا يرضيها. ومع هذا فإنه من المتوقع أنه لا الولايات المتحدة ولا إيران ستحفل بالموقف الروسى المعرقل للاتفاق وسوف تمضيان فى طريق توقيع خطة العمل الشاملة من جديد.. يعزز هذا الظن أن البترول ومشتقاته والغاز الإيرانى قد يدخلون السوق كبديل للوقود الروسى المغضوب عليه.. وتلك الأيام يداولها الأمريكان بين الناس!.