توقيت القاهرة المحلي 01:45:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ملح الأرض

  مصر اليوم -

ملح الأرض

بقلم - أسامة غريب

صعد الشاب إلى الأتوبيس وهو ممسك بكتابين فى يده، وكانت هيئته تشِى بأنه طالب جامعى. تقدم داخل الأتوبيس خائضًا فى كتل بشرية من كل الأعمار.. طلبة وموظفين وستات بيوت وباعة جائلين. علا صوت الكمسارى المحشور وسط الجمهور قرب الباب بالنداء التاريخى: العربية فاضية فى النُص يا جدعان.. ابعدوا عن السلم وادخلوا جوّة. ارتد صوت مضاد من الداخل مؤنبًا الكمسارى المتفائل: أين هى العربية الفاضية يا عم المجنون؟.. دى دماغك اللى فاضية!. استشاط الكمسارى غضبًا من صاحب الصوت، وصرخ، بينما يشق طريقه لملاقاته: أظهِر نفسك يا.. حتى أُريك ماذا سيفعل بك صاحب الدماغ الفاضية.

صمت صاحب الصوت ولم ينطق عندما بدا له أن الرجل غاضب فعلًا وخارج عن السيطرة. لكن الذى نطق كان هو الشاب الجامعى، فى محاولة منه لمنع خناقة داخل الأتوبيس قد تستدعى تدخّل الشرطة وضياع اليوم: صلوا على النبى يا جماعة، لا شىء يستحق أن نتخانق عليه.. قال هذا للرجل الذى استفز الكمسارى، والذى كان يقف على مقربة منه، قبل أن يعتدل ليهدئ من ثائرة الآخر القادم بقوة من الجهة الأخرى، لكنه لم يكد يلتفت حتى فوجئ بالكمسارى ينطحه برأسه فى وجهه ظانًّا أنه هو الذى سخر منه!. كانت النطحة قوية، حتى إنها دوّخت الطالب.

وأسالت الدم من أنفه، بينما عاد الكمسارى يشق طريقه نحو كرسيه فى مؤخرة الأتوبيس وهو يلهث متوهمًا أنه ثأر لنفسه. أفاق الطالب ليجد نفسه مضروبًا، فثارت نفسه، وعلا صوته بالشتم للكمسارى الحانق، الذى أخطأ ثأره، وأنزل غضبه على برىء كان يحاول أن يلعب دور حمامة السلام. كان باديًا أن العفاريت تتراقص أمامه، وهو يسعى للوصول إلى المحصّل حتى يحطم رأسه، لكن الركاب أمسكوا به ليمنعوا تفاقم الوضع. جرى صراع بينه وبين الناس، فأجهدوه، وحالوا بينه وبين الرجل. عندما شعر باليأس من المحاولة ألقى بكتابيه على الأرض، وصار يلطم وجهه بكلتا يديه، صارخًا: ولماذا لم تستخدموا قوتكم هذه لتمنعوه من أن يضربنى؟، لماذا تركتموه يفاجئنى وينطحنى برأس الثور يا ولاد ال..؟.

فى هذه الأثناء تسلل الرجل الذى تسبب فى هذا كله، واقترب من الباب، ثم غادر الأتوبيس وذاب فى الشارع. أخذ فريق من الركاب يُطيِّب خاطر الشاب الكسير، وأخرج بعضهم منديله يمسح الدم من وجهه، بينما توجه فريق آخر إلى الكمسارى، الذى أدرك فداحة ما فعل، بعد أن عرف الحقيقة، فأمسك رأسه بين يديه، وبدا أنه يجاهد صراعًا داخليًّا عنيفًا: الدنيا لا تكف عن ضربى كل يوم، وعندما أفكر فى رد الضربة لا أجد سوى شاب برىء أوجه نحوه غضبى.. ليه يا ربى؟.

بعد ذلك فوجئ الركاب به يخلع فردة من حذائه، ويتوجه مطأطئ الرأس نحو الشاب: سامحنى يا ابنى.. خذ اضربنى بالجزمة، ولن أزعل. رد الشاب متأثرًا: حصل خير. قال هذا، ثم انسحب إلى الخلف نحو الباب، وقفز من الأتوبيس، وعلى أقرب عمود بالشارع أسند رأسه، وانخرط فى بكاء مرير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملح الأرض ملح الأرض



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ولي العهد السعودي يُدين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في غزة
  مصر اليوم - ولي العهد السعودي يُدين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل في غزة

GMT 21:37 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تؤكد على أهمية تنمية العلاقات مع السعودية
  مصر اليوم - إيران تؤكد على أهمية تنمية العلاقات مع السعودية

GMT 23:02 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي حاضرة في منافسات سينما ودراما 2025
  مصر اليوم - هيفاء وهبي حاضرة في منافسات سينما ودراما 2025

GMT 19:53 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

سقوط طائرة في كولومبيا ومقتل 7 من ركابها

GMT 17:57 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

شبح مورينيو يعود للظهور في مانشستر يونايتد

GMT 08:54 2019 الأحد ,10 شباط / فبراير

الأهلي يكشف أسباب أزمة المؤجلات

GMT 14:16 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

أداما تراوري يُبرز جدية ليونيل ميسي في التدريبات

GMT 09:59 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

طليق رانيا يوسف يوجّه رسالة لها بعد أزمة فستانها الفاضح

GMT 03:08 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد عبد الحفيظ يُعلن عن صفقات الأهلي الجديدة خلال أيام

GMT 04:18 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

تامر حسني يُرزق بطفله الثالث ويكشف عن اسمه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon