بقلم - أسامة غريب
نشرت الصحف والمواقع الإعلامية خبر القبض على سيدة انتحلت صفة طبيبة حاصلة على دكتوراة من بريطانيا فى تخصص التغذية بالأعشاب، وقد قامت المذكورة بالترويج للمنتجات العشبية التى تبيعها من خلال برنامج تظهر به فى إحدى القنوات الفضائية بزعم أن منتجاتها تؤدى للعلاج من السمنة وتفلح فى إنقاص الوزن. فهل إلى هذا الحد تملك البرامج التليفزيونية القدرة على الترويج للدجل ومساعدة النصابين؟.
الحق أن هذه القدرة كبيرة للغاية، فالطبيب الذى يظهر فى التليفزيون تكون الفيزيتة فى عيادته أكبر من مثيلتها لدى الطبيب الذى لا يحفل بالظهور على الشاشات. ولعلكم تذكرون قضية المسؤول التليفزيونى الذى كان يتقاضى أموالًا من الأطباء نظير استضافتهم.
والأمر نفسه بالنسبة للشيخ أو الداعية، فظهوره التليفزيونى يمكّنه من أن يبيع عطارته وأحجبته التى تشفى من كل الأمراض بأسعار أعلى وبسرعة أكبر من الداعية الذى يجلس وسط جمع صغير من الأتباع فى قاعة مغلقة أو زاوية صغيرة، كما يتيح له الظهور الإعلامى أيضًا أن يسوّق شرائطه التى تحكى للناس حواديت عن الثعبان الأقرع وعن الجن الجنزارى، وكُتبه التى تحض الناس على الرضا بالمقسوم وقبول الفقر بحسبانه قضاءً وقدرًا!.
لهذا تجد الواحد من هؤلاء الراغبين فى الظهور على استعداد لأن يهين نفسه ويبتلع كرامته ويسمع كلام المعد والمذيع ويقوم بتنفيذ السيناريو الذى يضعونه له بحذافيره. ولم يعد مثيرًا للعجب أن نحكى القصة المعروفة عن الشيوخ الذين يذهبون إلى الاستوديو للإجابة عن أسئلة تتعلق برأى الدين فى فوائد البنوك، وهناك يستفسرون من المذيع قبل التسجيل عن الرأى الذى يفضله، وهل يحب أن ينحاز الشيخ إلى الفوائد ويفتى بحلها أم يلعنها ويقضى بحرمتها!.. نعم هذا ما يحدث..
معظم الشيوخ والدعاة الذين يحبون الظهور على الشاشة، ذلك الظهور الذى ينمى الثروة ويروج للبيزنس الخارجى فى العطارة والأعشاب والشرائط والكتب، يمتلكون كتالوجًا يضم إجابات متناقضة ومتعارضة، يتخيرون منها ما يُعجب الزبون، ويرددونه بمنتهى الحماس على الشاشة، وقد يرددون عكسه دون وجل فى برنامج آخر على قناة أخرى.
نفس الأمر يحدث فيما يخص الأطباء الضيوف، ولقد رأيت بنفسى طبيبًا شهيرًا للأمراض النفسية والعصبية يسأله المذيع: هل من الممكن أن يرى الإنسان فى المنام أنه يرتكب جريمة قتل ثم يجد آثار الجريمة على جسمه وملابسه حين يستيقظ؟.. الفظيع أن الطبيب الكبير لم يستنكف الدخول فى مثل هذا الحوار الهزلى وإنما مضى يكذب ويؤلف ويرتجل ويجوّد فى حكايات وحواديت وقصص زعم أنه صادفها وأشرف على علاجها لحالات كانت تحلم بالدم ثم تصحو غارقة فى الدماء!.
وإذا كان هناك نوعان من الأطباء يظهر ممثلوهم على الشاشة، نوع زائف ونوع حقيقى.. فإن السادة الشيوخ لا يوجد منهم سوى نوع واحد فقط تعرفونه بالتأكيد!.