بقلم - أسامة غريب
لم يعد هذا العالم آمنًا بالمرّة، ليس بسبب الحروب والأوبئة التى تهدد الحياة فقط، ولكن لأن السلوك الفردى للبشر أصبح يجنح نحو الخبث والوضاعة بصورة متصاعدة.
حدثنى أحد الأصدقاء بأنه كان يصطحب ابنه لأحد المتنزهات، وهناك أدخل الطفل الصغير إلى الملاهى ليلعب مع الأطفال. قال إنه التفت لمدة عشرين ثانية لشراء «فيشار»، ثم ذهب إلى الولد فوجد وجهه ممتقعًا من الخوف.
سأله ما به، فلم يرد، بل زاد بأنه بدأ يبكى ويرتجف ثم طلب من أبيه الخروج من المكان. لم يعرف صديقى ما الذى حدث وأفزع ابنه إلى هذا الحد خلال الثوانى التى كان يشترى فيها الفيشار. الطفل عمره أربع سنوات، وحبه للخروج واللعب طبيعى ومفترض، لكنه بعد هذا اليوم أصبح يخاف من الخروج ويفضل البقاء فى البيت.
لم أستطع أن أساعد صديقى فى معرفة ما قد يكون حدث فى هذه الثوانى القليلة، لكنى أخبرته بأن من يريد أن يحافظ على أطفاله لا يرفع عينيه عنهم ولا ثانية واحدة فى هذا العالم الملىء بالمختلين.
قلت له أيضًا إنه من المحتمل أن شخصًا قد نظر إليه بوجه مخيف قاصدًا إرعابه، ومن الممكن أن أحدًا قد مد يده إليه فقرصه أو أمسكه بقسوة من مكان حساس، ومحتمل أن وحشًا بشريًا قد داس على رجله أو ركله بالشلوت عندما تأكد من غياب والده. أبدى صديقى دهشة بالغة واستعاذ بالله من هذه الأفكار التى رآها جانحة وبعيدة عن الحقيقة.
دعوت لولده بالسلامة وتركته وأنا مستاء أشد الاستياء بعد أن تعزز يقينى بخواء النفوس الذى صار حاكمًا، ومن دلالاته أن الجنون والشذوذ وانعدام السواء يمكن أن يكون موجودًا عند أقارب الطفل وجيرانه، المتدين منهم وغير المتدين، لذا فإن العاقل لا يترك طفله مع جار ولو لدقيقة واحدة، لأننى أبصرت بعينى ذات يوم جارًا يمسك بطفل من نفس عائلته ويقرصه بقسوة، ثم رأيته ينتفض ويحتضن الولد مدعيًا أنه يلاعبه عندما أبصر والده قد عاد!.. نعم، الأقارب قد يكون منهم السادى الذى يحب أن يتسلى بقرص الأطفال وعضهم وتسديد اللكمات إلى وجوههم فى غياب الأهل.
وأراهن أنك إذا تركت طفلك مع أشخاص مقربين فى وجود كاميرا خفية فإن النتيجة قد تكون مأساوية، لأن أكثر من خمسين بالمائة ممن تحبهم وتثق بهم سيتصرفون بغباوة مع أطفالك فى غيابك. ولا يظنن أحد أن وجود أبناء صغار لدى الشخص يعصمه من الإساءة إلى أطفال الآخرين، ذلك أن معظم المتحرشين بالأطفال الذين تم القبض عليهم كانوا آباء لصبيان وبنات.
من أجل هذا، فإن اليتيم هو ريشة تتقاذفها الأنواء، وأكل مال اليتيم هو جريمة فظيعة عدّها الله من الكبائر، وذلك لهشاشة الطفل وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه.
لا تترك طفلك يغيب عن عينيك ثانية، لأن نصف سكان الأرض على الأقل قد يغريهم غيابك بإيذائه!.