بقلم : أسامة غريب
هذا الرجل الذى كُشفت له الحجب قد توصل فى الشهر التالى بعد اختراعه الذى حدثتك عنه إلى خلطة بسيطة مفرداتها موجودة عند أى عطار، لكن العبقرية تكمن فى النِسَب وطريقة المزج.. خلطة جديدة من شأنها لو تم استخدامها بحكمة أن تجعل ليّة الخروف أكثر نعومة ورقة مما هى عليه، وأظنك تشهد أن أحداً قبل سيدنا الشيخ لم يفكر فى مخلوقات ربنا ولا حاول أن يقدم لها ما يسعدها!
كنت قد فقدت القدرة على الدهشة وصرت أتوقع أن أسمع أى هراء، لذلك قررت أن أكمل معه مشوار العبث. سألته: وهل أنت وشيخك واثقان من أن تنعيم ليّة الخروف وتحمير مؤخرة القرد تمنح كلا من القرد والخروف السعادة التى يحلم بها، أم أنّ موزة وقليلاً من الفول السودانى قد تحمل للقرد بهجة أكثر من الشخبطة على خلفيته، وأن حزمة برسيم طازجة من الممكن أن تهب الخروف لحظات أطيب مما يحصل عليه وأنت تفرك ليته بعجينة عمك الشيخ. قال: عيب الإنسان أنه عَجول وأنانى لا يفكر سوى فى ملذاته، مع أنه لو منح نفسه لأفكارٍ سامية تتعلق بإسعاد سائر مخلوقات الله لشفّت روحه وارتقى بنفسه إلى درجات أعلى فوق سلم الإنسانية. قلت: ما شاء الله على الأفكار النبيلة.. وماذا فعلتم للفيل والغزال..هل اخترعتم مرهماً لزلومة الفيل وكريماً مرطباً لكعب الغزال؟. قال: أظنك تهزأ بى، ومع ذلك لا يا سيدى لم يخترع مولانا ما تقول، لكنه توصل لمحلول إذا ما ارتشف منه السنجاب رشفة واحدة اعتدل مزاجه اليوم بكامله فلا يتسلل إليه الضيق أو الكدرّ. قلت: وهذه المخترعات العظيمة التى أسعدت الناس.. كم تكلفت ومن الذى قام بتمويلها؟
قال: لا يهم كم تكلفت.. نحن ندفع راضين ولسوف نتحمل المزيد ما دام مولانا يرعانا ويخترع لنا.
قلت وقد عاودتنى حالة عدم التصديق: هل أنتم مجانين؟ ضحيتم بالقوت الضرورى لتدهنوا مؤخرة القرد وتعدلوا مزاج السنجاب؟.. ألهذا الحد نجح شيخكم هذا فى شخرمة أرواحكم فهجرتم التفكير السليم وتبنيتم كل هذه التخاريف؟ ماذا عن واقعكم المزرى يا رجل؟ أليس بوسع شيخكم هذا أن يقدم طعاماً للجائعين أو مساكن للبائسين أو وظائف للخريجين أو إغاثة للمنكوبين؟. قال ناظراً للأفق: إن رسالة شيخنا تتجاوز مطالبكم التافهة الخاصة بالأكل والشرب والزواج، فهذه وظائف الأتباع التافهين، أما سيدنا فإنه قبس من روح الله، قد بعثه إلينا ليحرر نفوسنا من الأغلال والقيود.
قلت يائسا من أن يفهم أو يعقل: أنا لا أطلب من شيخكم أن يحل لنا مشاكلنا فهى بالتأكيد لا تعنيه، ولكنى أسألكم أنتم: ألم يعد لكم اهتمام بأشياء البشر الفانية مثل فاتورة الكهرباء واشتراك التليفون وقسط المدرسة وثمن العشاء والطرق والشوارع والمستشفيات والمدارس وسائر الخدمات..ألم يعد شىء مما سبق يشغلكم بعد أن شفّت أرواحكم وجاوزت الغلاف الخارجى للأرض؟
قال: لن تفهم حتى تذوق. قلت: ذوقوا وحدكم يا ولاد العبيطة!.. ثم راجعت نفسى: كيف يذوقون وحدهم؟ إن السقف سيهوى علينا جميعاً.. فاللهم لطفك!
المصدر : صحيفة المصري اليوم