بقلم - أسامة غريب
بمناسبة اقتراب موسم الحج واستعداد البعض لأداء الفريضة بعد أن حالت جائحة الكورونا بين المسلمين والذهاب إلى مكة لأكثر من عامين عادت بى الذاكرة للوقت الذى قمت فيه بأداء الفريضة. بعد أن عدت من رحلة الحج، وكان هذا منذ سنوات فإننى شعرت بالحيرة عندما بادرنى أحد الأصدقاء بالسؤال: ماذا كان شعورك أثناء تأدية المناسك، وأنت فى هذه البقعة الطاهرة من الأرض؟ سبب الحيرة هو أننى ترددت بين أن أقول له الإجابة الجاهزة المعلبة التى يقولها كل الناس، والتى طالما سمعتها لعشرات السنين من الأهل والأصدقاء والجيران، وهى تتلخص فى أن الرحلة كانت رائعة مليئة بعبق الإيمان وسحره، وأن المناسك قد تمت فى هدوء وسكينة، وقد جرت فى جو روحانى شفيف تتخاطفه أنوار الإيمان وتحف به الملائكة من كل جانب.. أو أن أخبره بالحقيقة، وهى أننى لم أستطع أن أخلو إلى نفسى، أو أن أعيش أوقاتا خاصة بينى وبين خالقى أبثه شكواى وأنقل إليه حيرتى وتساؤلاتى..
هل أخبره بأننى كنت طوال الوقت أصد جحافل القادمين من الأمام ومن الخلف وقبضاتهم وكيعانهم القوية تفتح لهم طريقا عبر أجساد ووجوه الحجاج الآخرين..هل أقول له إن الحفاظ على الحياة كان هو الهدف الأسمى لى ولغيرى، وإننا كنا ندعو الله ألا نسقط تحت الأقدام حتى لا تهرسنا سنابك الفرسان الأشداء الذين أخذوا العهد أن يلمسوا الحجر الأسود ولو كلفهم الأمر أرواح الناس الطيبين الذين ليس لهم ذات العزم ونفس الهدف!.. فكرت فى هذا كله ثم قلت للصديق: الحمد لله. لقد خفت أن أخبره بصدق عن شعورى الحقيقى، وهو يتراوح بين الفزع والحسرة.. الفزع من إخوتى المؤمنين وجسارتهم التى جعلتهم لا يحفلون بالأرواح فى سبيل إنهاء المناسك بطريقة إجرائية وكأنهم يستوفون استمارة، المهم فيها هو عدد الإمضاءات والأختام بصرف النظر عن مضمونها.. والحسرة على حالنا وقد فقدت شعوبنا الأمل فى أن تكون لهم دنيا محترمة يسودها العدل والكرامة فاندفعوا بقسوة يحجزون لهم أماكن فى الآخرة، وقد ظنوا أن عودة الإنسان كيوم ولدته أمه أصبحت على مرمى حجر منهم مهما كان الثمن!.
المهم هنا هو معرفة لماذا يكذبون وهم يحكون لغيرهم عن التجربة ولا يجرؤون على قول الحقيقة، وهى بالتأكيد لا تنال من قدسية الفريضة ووجوبها؟.. لماذا يخترعون أجواء غير موجودة ويتحدثون عن صفاء وروحانية لا يسهل أن تتحقق وسط الموجات المتلاطمة من البشر التى تتحرك فى كتل كبيرة وسط حيز محدود؟ لماذا لا يقولون إن ضعف التعليم فى بلاد المسلمين جعل الكثير من زوار بيت الله يفتقدون للكياسة والتعامل اللطيف مع الغير؟ لماذا لا يطالبون الشيوخ بالتركيز على مراعاة الآخرين وإفهامهم أن الوصول للحجر الأسود على رقاب العباد لا يثاب صاحبه؟. مطلوب حملات تثقيفية كبيرة تشرح للناس- بالإضافة إلى المناسك- الحكمة الحقيقية من الحج التى لا تتحقق إلا إذا كان قاصد الحج من ذوى الإيثار والمفهومية والرأفة بالغير.