بقلم أسامة غريب
منذ أن ظهرت للوجود القنوات المشفرة التى يشاهدها المشتركون فقط، والمباراة لا تنتهى بين تلك القنوات والسادة الراغبين فى الفرجة المجانية. ولقد بلغت الإبداعات فى التغلب على التشفير مبلغاً جديراً بالإعجاب، ومن أشهرها وأكثرها تأثيراً ما ظهر فى مصر وسُمى باشتراك «السلك» وذلك بأن يقوم شخص واحد بالاشتراك مع المحطة بشكل قانونى وبعد ذلك يقوم بمد سلك من عنده إلى جيرانه القريبين فى الشارع، ويتقاضى من كل شقة مبلغاً صغيراً لقاء توصيل الإرسال إليهم، وبهذا يحقق هو ثروة ويتمكن أهل الحى من مشاهدة قنوات الأفلام والرياضة التى يتوقون إليها. ومن الطبيعى أن أصحاب تلك القنوات لم يستكينوا لهذا العدوان، لكن استخدموا جميع الأسلحة من لجوء للشرطة إلى رفع القضايا وصولاً حتى الاستعانة بالدعاة الدينيين الأرزقية الذين لم يقصروا فى تخويف الناس من نار جهنم التى تنتظر أصحاب السلك!.. وقد قام السادة الدعاة بهذا العمل الجليل فى خدمة الأخلاق مقابل أموال طائلة تقاضوها من أصحاب القنوات.
بعد ذلك أصبح هذا الاختراع ضرباً من الماضى عندما توصل الصينيون العظماء إلى أنواع من الديكودر تفك الشفرة وتقتحم كل الأقمار وتصل إلى القنوات التى خبأها أصحابها فى بطن الحوت. قبل كأس العالم 2014 بعدة شهور انتشر فى العالم العربى نوع متطور من الريسيفر شاع أن له مقدرة كبيرة على فك أى شفرة، وتمكن من قاموا بشرائه من مشاهدة مباريات الدورى الإسبانى والدورى الإنجليزى والإيطالى وسائر المسابقات فى أوروبا وأمريكا الجنوبية التى جمعت أبطال كرة القدم فى العالم. اعتبر الناس أن هذا الجهاز يشكل فتحاً فى عالم السطو على الإرسال، وبعد ذلك استعد الجميع للاحتفال بمشاهدة كأس العالم بالمجان.. ولا عزاء للقنوات التى اشترت الحق الحصرى لنقل مباريات المونديال.
لكن لدهشة الجميع فوجئنا بأن هذه الريسيفرات التى نجحت فى كسر أكواد القنوات ونقلت للناس مباريات البطولات الأوروبية أصبحت عاجزة عن الاستمرار فى أداء المهمة، ثم أعلنت إدارة القنوات الرياضية أن مشاهدة كأس العالم ستكون لمن يشترك ويدفع فقط. وهنا اتضح أن ما ظنه الجميع غفلة من القنوات ومقدرة باهرة للريسيفر العجيب لم يكن إلا حيلة عظيمة قامت بها مجموعة القنوات الرياضية عامدة حين تركت المشاهد يتصور فى نفسه الذكاء والقدرة على خداع أصحاب المحطات، ولم يكن هذا إلا لغرض تعويد المشاهد على الدورى الإسبانى والإنجليزى وجعله يتابع المباريات بانتظام ومن ثم يصبح لاعبون مثل رونالدو وميسى ودى كوستا ونيمار ورونى جزءاً من حياته اليومية وحديثه مع أصدقائه فى المساء.. وفجأة يقطعون عنه الإرسال ويخيرونه بين الدفع أو المنع!. لهذا ما إن أعلنت القنوات عن انتهاء عهد الفرجة ببلاش وتيقن الجميع من عجز الأجهزة الصينية عن التصرف وانقضاء بركاتها وسحرها، إلا وسارعوا إلى الاشتراك ودفع المبلغ المطلوب صاغرين من أجل مشاهدة المونديال.
ولا أستبعد أبداً أن تكون هذه القنوات الرياضية الماكرة هى نفسها صاحبة توكيل الريسيفر الصينى الذى ساهم فى تخدير الناس وإطعامهم البلوظة!.