بقلم - أسامة غريب
الفقر يقلل المناعة ويضعف المقاومة للانحراف، هذا بديهى، ولكن هل يعنى هذا أن الغِنَى يمنح حصانة ويجعل أصحابه بالضرورة شرفاء؟.. معروف طبعاً أنه ليس كل الأغنياء شرفاء وليس كل الفقراء لصوصا، لكن سؤالى هنا عن نسبة الفقراء والأغنياء بين الحرامية.. ترى هل يكون عدد المنحرفين الفقراء أكبر من عدد الأغنياء المنحرفين؟.. لا توجد إحصاءات موثقة في هذا الشأن يمكن الارتكان إليها، وحتى البحوث التي تقوم بها المراكز المتخصصة ليس بوسعها إعطاء نتائج دقيقة في هذا الصدد. ومع ذلك يمكن للراصد أن يقسّم الانحراف تبعاً لنوعه، وبذلك يسهل معرفة الوضع الطبقى للأخ المنحرف، فإذا كنا بصدد جرائم النشل في الأتوبيس، فليس من المتصور أن يكون مقترفها من الأغنياء، وكذلك حرامية الغسيل هم بالضرورة من الفقراء، أما جرائم الرشوة الكبرى التي تكون مبالغها بالملايين فهى تتم بالضرورة بين راشٍ غنى ومرتشٍ من كبار الموظفين، أي غنى أيضاً. نخلص من هذا إلى أن هناك من الانحرافات ما يكون صعب المنال بالنسبة للفقراء، فهم لا يستطيعون مثلاً أن يكونوا طرفاً في عملية بناء مخالف للاشتراطات، أو دواء تتم الموافقة عليه غير مطابق للمواصفات، أو عملية إرساء مناقصة على شخص لا يستحقها، أو تسريب معلومات اقتصادية يتحول على أثرها مضاربون بالبورصة إلى مليارديرات.. كل هذا انحراف ينظر إليه فقراء اللصوص بحسد، متطلعين إلى اليوم السعيد الذي يقفون فيه أمام المدعى الاشتراكى أو أمام قاضى تحقيق يسألهم عن مصادر أموالهم!.
عرفنا إذاً أن هناك جرائم يقترفها الفقراء ولا يتعدونها، مثل النشل وسرقة الشباشب من المسجد وعمليات النصب البسيطة التي تجرى في الشارع، إلى جانب عمليات أخرى تحتاج لنفوذ سياسى واقتصادى، لكننا لم نعرف بعد عدد اللصوص على كل جانب أو نسبتهم، كما أننا لم نفهم كيف أن الثراء لم يحصن أصحابه من الانحراف كما هو مفترض وكما يجرى في معظم بلاد العالم.. لماذا يوجد لصوص أغنياء بهذا الحجم في بلادنا؟.. أعتقد أنه يوجد أكثر من سبب، منها أن المال سايب وليس صعب المنال بالنسبة للنافذين والأثرياء، ومنها عدم الإحساس بالأمان حتى في وجود دخل معقول يكفل الستر، وأهمها هو غياب القانون، الأمر الذي يدفع الناس لمحاولة اكتناز المال كسبيل لحماية الأنفس والممتلكات ضد التعسف الذي يطول الفقراء على الدوام. الناس صاروا يدركون أن المال قد يكون عاصماً من السجن مهما عظمت الجريمة، وهم يفترضون أن صاحب المال إذا دخل السجن فإنه سرعان ما سيخرج حتى لو كانت جريمته هي القتل العمد!.
غياب القانون والكيل بمكيالين هو الذي يدفع الأغنياء للسرقة، أما في بلاد أخرى فإن حصانة المال العام ومنعة الموظف العمومى واتساع الطبقة الوسطى، تجعل الانحراف مقصوراً على الفقراء في معظم الأحوال.. والله أعلم.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع