بقلم: أسامة غريب
كارل ساجان هو واحد من علماء الفيزياء والفلك الأفذاذ في القرن العشرين، ولقد ساهم في تبسيط علوم الفضاء والفلك لعامة الناس، وترك عند وفاته عددا وافرا من المؤلفات ترجم بعضها إلى العربية مثل «عالم تسكنه الشياطين» ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم و«تنانين عدن (تأملات عن تطور ذكاء الإنسان) ترجمة سمير حنا صادق، و«بلايين وبلايين» ترجمة عزت عامر، و«نقطة زرقاء باهتة» ترجمة شهرت العالم.
في الغرب حيث حرية العقيدة مكفولة بحق وحقيق يهتمون بالعلم ويكرمون العلماء بصرف النظر عن ديانات هؤلاء العلماء أو معتقداتهم، وقد كان كارل ساجان ملحدا وكذلك زوجته آن درويان، وقد حدث عندما مات ساجان متأثرا بمشكلات في الرئة عام 1996 أن قام الصحفيون بدافع الفضول بسؤال زوجته أو بالأحرى أرملته أسئلة من نوعية: هل تراجع كارل في لحظاته الأخيرة عندما دنا الموت منه عن أفكاره وصار يعتقد في المسيح والدار الآخرة؟.. هل بسبب حبه لك آمن بأن هناك إلها سوف يجمعه بك بعد الرحيل في فردوس واحد؟.. ثم زاد الصحفيون على ذلك وسألوها: هل تتوقعين رؤيته مجددا؟ أجابت آن: لقد واجه كارل موته بشجاعة لا شائبة فيها.. لم يفكر أبدا في الهرب إلى الأوهام محتميا بها.. لطالما كانت مأساتنا في أننا كنا نعرف أنه بعد الموت لن نرى بعضنا مرة أخرى، وقد كان هذا دافعا لنا في أن نعيش السنين التي جمعتنا ببعض بمنتهى العمق والوضوح والتقدير والامتنان.. كنا نعرف أن أيامنا مع بعضنا قصيرة، وهذا جعلها أياما ثمينة. لم نقلل يوما من أهمية الموت بالتظاهر بأنه يمكن لنا أن نلتقى مرة أخرى..الطريقة التي عاملته بها والطريقة التي عاملنى بها أهم عندى من فكرة أننى سألتقيه مرة أخرى.. لا.. لا أتوقع أننى سأراه.. لقد رأيته وقد كان ذلك مدهشا. يحتاج المرء إلى شجاعة كبيرة ليدرك ويعيش حقيقة أن الموت إنما هو فراق آخر وأخير.
برغم أن هذه الإجابة تعتبر صادمة خاصة لدى من يؤمنون بالبعث مثل المسيحيين والمسلمين واليهود، أو من يؤمنون بتناسخ الأرواح والعيش حيوات عديدة كالبوذيين والهندوس، إلا أن الاعتقاد بما تراه السيدة آن دوريان يحتاج فعلا إلى شجاعة بصرف النظر عن مشاركتنا أو معارضتنا لمعتقداتها، إذ إن السهل والمريح الذي يبعث على السكينة ويمنح العزاء هو الاعتقاد بأن فراق الأحبة طارئ ومرحلى ولن نلبث أن نلتقى بهم من جديد في الجنة لنستأنف السعادة معهم كما لو كنا لم نفترق.. إن هذا في ظنى هو ما يعين الناس على تحمل سخافات الحياة ومتاعبها بنفس راضية، وهو كذلك ما يهدئ من اللوعة عند فقد عزيز، أما أن تقول السيدة دوريان إنها وزوجها كانا يعلمان أنهما لن يريا بعضهما مرة أخرى لأن الموت لن يتلوه بعث فهو يعبر عن مقدرة لا يحتملها البشر في العادة، إذ إنها رفضت كل المرطبات والمهدئات والمسكنات التي يقدمها الدين لأتباعه ليعبر بهم من فوق بوابات الجحيم وفضلت أن تصطلى بالنار ولا تمد يدها لكاهن