توقيت القاهرة المحلي 10:37:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصامت والمتكلم

  مصر اليوم -

الصامت والمتكلم

بقلم أسامة غريب

هنالك أناس يُفضّل المرء فى حضرتهم الصمت، إذ ما معنى الكلام عندما تجلس مع صاحب حكمة وثقافة وتجربة عريضة فى الحياة، وفى الوقت نفسه يُحسن الحكى والرواية ولا يضن بالرأى والنصيحة. هذا النوع من الناس هو كنز بشرى عزيز، والموجود منه نادر ويصعب الظفر به.

غير أن هناك أنواعا أخرى من الناس يصمت الواحد فى حضورهم لأسباب أخرى. هناك صاحب النفوذ والثراء الذى يجلس يحيط به حواريوه المنافقون الذين يقومون فى حضرته بحرق البخور والثناء على كل ما يخرج من فمه وكأنه اللؤلؤ المنثور. هنا يكون الصمت واجباً لعدم جدوى الكلام، ذلك أن شجاعتك وطلاقة لسانك ونفسك الحرة.. كل هذا لن يكون مفيداً وسط جمهور أخذ قراراً مسبقاً بالانسحاق، ولأن أحداً لن يسمح لك بالكلام، خاصة إذا كانوا يتوقعون أن ما ستقوله يبتعد عن التطبيل ويخرج عن التيار السائد فى الجلسة. هناك أيضاً الصمت فى حضرة المدير فى العمل، خاصة الذى تستبد به شهوة الكلام بعدما أيقن أن السمّيعة كُثر، وحتى لو كان المدير رجلاً طيباً غير متجبر وغير مؤذٍ، فإنك ستجد نفسك غير راغب فى استغلال طيبته وكرم أخلاقه لأجل توبيخه والاعتراض على آرائه الفارغة، لكن ستجلس فى حضرته صامتاً تستمع إلى تنظير فى السياسة والفن والثقافة والرياضة. وربما أن هذا أحد الأسباب الأساسية فى الاكتئاب الذى يصيب كبار الموظفين بعد خروجهم على المعاش، ذلك أنهم يفتقدون السمّيعة والصهبجية، وإذا ما أبدوا آراء فى أى شأن جُوبهوا بالاستنكار والاعتراض، وكأنهم لم يكونوا إلى وقت قريب فلاسفة كباراً، لهم حكمة أرسطو وبلاغة المتنبى!.

لهذا فإن الناس ما إن يبتعدوا عن المديرين والرؤساء وأصحاب الثراء والنفوذ ويخلو الواحد منهم إلى قرنائه وأصدقائه حتى تنطلق منه نافورة كلام، فى الوقت الذى يفعل الآخرون الأمر نفسه.. كبت وحرمان من الكلام يعبّر عن نفسه فى صورة انفلات ورغى وتنكيت وصخب وهرج يؤديه الجالسون فى نفس الوقت، فلا أحد يسمع أحداً ولا أحد يصغى أو يعتبر بما يحكيه الآخرون!.. ولقد جلست شخصياً فى جلسات من هذا النوع مع رفاق كانوا يقضون السهرة على القهوة لعدة ساعات وكلهم يتكلمون فى مواضيع مختلفة فى نفس الوقت دون أن يكون لأحد منهم مستمع واحد!.. يفعلون هذا بعد أن ينصرف المدير الذى كان يجلس معهم على القهوة منذ قليل بعد أن احتكر الرغى وحده لمدة ساعة جلسها معهم، قام خلالها بتعليمهم فنون الأكل والشرب والإتيكيت، وأعطاهم محاضرات فى التاريخ والاجتماع والاقتصاد، وروى لهم عن علاقاته ومغامراته النسائية، وعدّد لهم أنواع وأصناف النساء وكيفية التعامل مع كل نوع.. كل هذا وهو مجرد رجل غلبان بلا خبرة ولا ثقافة. والجدير بالتأمل فى جلسات كهذه أن أغلب الحضور فيها يقومون بالتطبيل، وأقلّهم يلوذون بالصمت، ومن المؤكد أن الحياة تكون أفضل لو أن الصامتين أتيح لهم أن يتكلموا والمتكلمين أُجبِروا على الصمت!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصامت والمتكلم الصامت والمتكلم



GMT 04:59 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

العروبة والوحدة

GMT 04:59 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ليت قومى يعقلون

GMT 06:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 23:52 2024 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

مأمون الشناوي

GMT 03:14 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الاتفاق العادل غير مطلوب

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon