بقلم أسامة غريب
كلنا يلحظ حالة التدهور التى صارت عليها العلاقات المصرية- السعودية فى الأيام الأخيرة، والتى عبّرت عن نفسها من خلال التلاسن المتبادل، وذلك بعد أن امتنعت شركة أرامكو السعودية عن توريد الحصة الشهرية المتفق عليها من المنتجات البترولية عن شهر أكتوبر إلى مصر، ثم قيام مصر بالرد على هذا الإجراء فى مجلس الأمن بالتصويت لصالح القرار الروسى الذى لا يشترط وقف الغارات على حلب، وذلك نكاية فى السعودية المؤيدة للقرار الفرنسى المضاد.
بداية نتساءل عن التفاهمات التى تمت فى شهر إبريل الماضى بين مصر والسعودية، والتى جرت على أعلى مستوى، وتمخضت عن اتفاقات خاصة بإمدادات بترولية قيمتها 23 مليار دولار على خمس سنوات من السعودية لمصر، وكذلك إقامة جسر يربط بين البلدين يعبر البحر الأحمر من جهة شرم الشيخ، ثم ثالثة الأثافى وهى إهداء المملكة جزيرتى تيران وصنافير المصريتين. الملاحظ أن البنود الثلاثة فى اتفاق إبريل 2016 لم يتم تنفيذها، فهل ما يتم التوصل إليه وتوقيعه بين الدولتين هو اتفاقات مُلزمة أم أنه مجرد مقترحات يمكن التلاعب بها والمناورة بشأنها وتنفيذها حسب الهوى والمزاج؟.. نقول هذا لأننا نعلم أن الاتفاقات بين الدول الطبيعية لا يمكن التنصل منها، ودائماً هناك قوى تضمن تنفيذها، وإجراءات تعاقب من يتراجع عنها، حتى لا تُترك عُرضة للأنواء السياسية التى هى طابع العلاقات بين الدول العربية. لا أقصد من هذا أننى أؤيد أن تمنح بلدى تيران وصنافير للسعودية، لكنى أتحدث عن المبدأ، إذ من الواضح أن العرب يضعون توقيعهم على الورق وهم ينوون التملص إذا ما دعت الحاجة، وهذا لعمرى تعبير عن دول منهارة وليست دولاً بالمعنى الحقيقى.. وإلا فليقل لى أحد: هل كان أى من هاتين الدولتين تستطيع أن تلحس توقيعها لو أن هذه الاتفاقات كانت مع أمريكا أو روسيا أو حتى إسرائيل؟
ثم نأتى إلى ما يتردد عن التلويح بالتوجه نحو إيران لتعويض الإمدادات البترولية، وما يترتب على هذا من تحالف مصرى- إيرانى لن يكون فى صالح دول الخليج!.. السؤال هنا هو: ألم يكن من الأكرم أن تكون لنا علاقات طبيعية بإيران أسوة بما للدول الخليجية من علاقات طبيعية معها بدلاً من أن نكون ذيلاً ضعيفاً يمتثل لإسرائيل والسعودية فى معاداة إيران بدون مبرر، ثم استخدام السلفيين ومقولاتهم المتهافتة عن المد الشيعى كتبرير للموقف السياسى المنسحق؟.. لقد واتتنا فرصة كبيرة بعد 25 يناير لنتخلص من التبعية للسعودية وإسرائيل، ونقيم علاقات عادية مع إيران التى لم توجه نحونا أى إساءة، لكننا نذكر بكل أسف أنه فى اليوم الذى سافرت طائرة حملت إعلاميين وسياسيين مصريين إلى طهران لطى صفحة الماضى وبدء صفحة جديدة، قامت السلطات المصرية بتوجيه اتهامات للقائم بالأعمال الإيرانى فى مصر بالتجسس!.. وكان واضحاً أن الضغوط السعودية الإسرائيلية قد انتصرت على القرار المصرى الحر.
فهل كان من الأفضل أن تقف مصر منتصبة وتقيم علاقات طبيعية بإيران يمكنها أن تفيد مصر كما يمكن استخدامها لصالح الخليج، أم أن الأفضل أن نضع إيران على الرف فى انتظار تدهور العلاقات مع السعودية حتى نلوّح للخليج بأننا سنتجه للشرير نكاية فيهم؟