بقلم أسامة غريب
عندما شاهد بالتليفزيون إعلاناً يعرض نمراً آسيوياً من نوع شديد الضراوة يجلس فى حديقة البيت تحت قدمى صاحبه فإنه شعر بالإثارة ورغب فى اقتناء نمر مماثل. كان يدرك أن المسألة ليست هينة، لكن تحتاج منه لوقت وصبر وحنان ورعاية يقدمها للنمر حتى ينزع غدره ويصير بالإمكان الاطمئنان إليه، ومع ذلك فإنه لم يتحمس لفكرة أن يقتنى نمراً وليداً يربيه ويبدأ معه رحلة الحياة حتى يكبر فى كنفه ويصير صديقه.. أزعجته فكرة الانتظار وأراد أن يحصل على حيوان كبير منذ البداية. تحدث مع أصدقائه فى الموضوع فحذروه من الوحوش الكبيرة وذكّروه بأن حيوانات السيرك عادة ما تولد على يد مدربيها وتقضى العمر كله معهم، لكنها كثيراً ما نهشت كتف المدرب أو التهمت ذراعه عندما غفل عنها قليلاً. الحقيقة أنه خاف من فكرة أن يلقى مصرعه منهوشاً بفعل أنياب ومخالب وحش ناكر للجميل. اقترح عليه أحد الأصدقاء أن يقتنى حيواناً جباراً منزوع الأنياب والمخالب. أدهشته الفكرة.. وهل يوجد وحش مجرد من هذه الأسلحة التى بدونها لا يستطيع الصيد والحصول على الفرائس؟. أفتى صديقه بأن يجلب النمر قوياً عفياً ثم ينزع أسلحته بعملية جراحية يقوم بها متخصص، وذكّره بأن النمر لن تكون به حاجة إلى أسلحة، لأنه سيعيش حياة الباشوات مثل صاحبه، ثم أضاف أن المال يستطيع أن يتولى الأمر كله بداية من صيد الوحش وتخديره حتى شحنه بالطائرة ونزع أنيابه. لم يطمئن للفكرة وتساءل عن قيمة الحيوان الفاتك إذا كان بلا أنياب ومخالب وما حاجته إليه فى هذه الحالة؟، فليقتن قطة إذن أو عصفورا بدلاً من إهانة وحش وتدجينه!. قال الصديق: البريستيج يا رجل وصورتك التى سوف تضعها فى «إنستجرام» والوحش يجلس تحت قدميك فى حديقة القصر.. فضلاً عن الغيرة التى سوف تأكل أكباد أصدقائك من رجال الأعمال التافهين الذين يربون قططاً وكلاباً!.
لمعت الفكرة فى ذهنه فلم يكذب خبراً وشرع فى جلب واحد من أقوى وأضخم النمور. وصلت إليه البضاعة فراعه منظر الوحش، ثم تأكد من أنه بلا خطورة فعلاً وأن أسلحته المخيفة قد غادرته. لم يتردد فى أن يأخذ صوراً مع الضيف الجديد فى كل أنحاء البيت وفى جميع الأوضاع، لكنه لاحظ الحزن البادى على النمر واكتشف للمرة الأولى أنه سيعجز عن أكل اللحوم لغياب أسنانه. أشار عليه البعض بإطعامه جيلى ومهلبية وخضروات مضروبة فى الخلاط مثل الطفل الرضيع!. العجيب أن الجوع وغريزة البقاء دفعت الوحش فى البداية للتجاوب والإقبال على الطعام، غير أنه فى الأيام التالية عاف الطعام، ويبدو أنه تذكر المجد التليد الذى حُرم منه فسقط ضحية للاكتئاب والحزن وأخذ الهزال يعتصره. عبثاً حاول الرجل أن يجد حلاً وأتى بإخصائيين من كل مكان لم يستطيعوا سوى حقن النمر بالمحاليل المغذية.. وفى النهاية مات!.
شعر الرجل بأنه سيئ الحظ، وبأنه محسود، ونصحه أصدقاؤه بأن يريح أعصابه فى رحلة على ظهر اليخت تجوب به أوروبا عسى أن ينسى أحزانه ويتجاوز أزمته ويجد الوقت اللازم للتأمل حتى يفهم لماذا تعانده الدنيا وتبخل عليه بالسعادة!.