بقلم:أسامة غريب
البرنامج الدرامى «أغرب القضايا»، الذى كان يعده ويقدمه المخرج الإذاعى عبده دياب، واحد من أنجح البرامج التى ارتبط بها المستمع لعشرات السنين. بدأ المخرج حلقاته الأولى فى أواخر الستينيات، وكان يستقى الوقائع والأحداث من الجرائد والمجلات، واعتاد الجمهور الانتظار بجانب الراديو مساء كل ثلاثاء للمتابعة، ومَن كانت تفوته الحلقة أمكنه الاستماع إليها صباح السبت. كانت البداية قوية، واعتمدت على جرائم وقعت بالفعل فى أوروبا وأمريكا، ولهذا كان التشويق سيد الموقف. بعد ذلك بدأ مؤلف ومخرج الحلقات يقدم جرائم وقضايا من الواقع المحلى حصل على وقائعها من أصدقائه فى دنيا البوليس والمحاماة.
تميزت هذه الدراما بمشاركة كبار الفنانين الذين أغراهم نجاح البرنامج ونسبة الاستماع الكبيرة فوجدنا قامات مثل سميحة أيوب وأمينة رزق ومديحة حمدى وزوزو نبيل ورجاء حسين وعايدة كامل وإنعام سالوسة ومحمود عزمى وعمر الحريرى وعبد الرحمن أبو زهرة وحسن حسنى ورشوان توفيق وإبراهيم يسرى ومحمد الدفراوى وغيرهم.. وجدنا كل أبطال المسرح المصرى يشاركون أسبوعًا بعد أسبوع، لكن بعد سنوات كانت الأفكار قد استنفدت وكل ما يمكن تقديمه تم تقديمه. هنا كان ينبغى على البرنامج أن يتوقف حتى يتم شحن البطاريات مع العثور على قضايا جديدة، لكن ما حدث كان الإصرار على المضى أسبوعيًا فى تقديم حلقات جديدة، فوجدنا عشرات الحلقات تركز على قضية تحديد النسل، وتعزو معظم الجرائم لكثرة الإنجاب وفقر رب الأسرة مع هزال الأم وضياع صحتها.
وبقدر ما كانت تعجبنى الحلقات القديمة فى سنواتها الأولى التى استمعت إليها فى الطفولة بقدر ما أشفقت على صناع العمل الذى تحول من حلقات بوليسية إلى أداة من أدوات تنظيم الأسرة!. كنت أرى أن الحبكة والتشويق هما ما منحا البرنامج قيمته، أما الوعظ والإرشاد الذى غلب عليه بعد ذلك فلم يكن فى صالحه. بعد وفاة المخرج الكبير عبده دياب استمر البرنامج من خلال الابن عمرو عبده دياب، لكن المشكلة أن الدنيا قد تغيرت، وكبار الفنانين الذين كانوا يشاركون مع الأب فى السابق لم يعودوا موجودين، وبالتالى فالتمثيل فى الحلقات الحديثة هو أسوأ عناصر البرنامج من خلال أصوات بلا موهبة رغم جهد المؤلف والمخرج. ومن اللافت أن هناك برنامجًا سوريًا تقدمه إذاعة دمشق منذ أواخر السبعينيات يتشابه مع أغرب القضايا هو برنامج «حكم العدالة» الذى استمر يكتبه الأستاذ هائل اليوسفى المحامى لسنوات طويلة، وبعد وفاته تسلمه أيضًا نجله منيب هائل اليوسفى، وقد اعتمد البرنامج الدرامى السورى على قضايا محلية فقط وجرائم وقعت بسوريا، ومازال البرنامج يذاع كل ثلاثاء. والمدهش أنه بسبب الإصرار على تقديم البرنامج رغم استنفاد الأفكار وطحنها وتدويرها لعشرات السنين، فقد ترهل البرنامج وصار الابن يأخذ حلقات الأب ويقدمها بأسماء جديدة، ومع ذلك فقد استمتع الجمهور بمشاركة فنانين سوريين كبار، منهم دريد لحام ومنى واصف وسلاف فواخرجى وغيرهم. الجميل أن حلقات البرنامج الإذاعى المصرى وشقيقه السورى متاحة على اليوتيوب وقد استمعت إلى الكثير منها، وهذا من أفضال عصر الإنترنت.