بقلم - أسامة غريب
أثار الكاتب الكبير وحيد حامد ــ الذي أقدره كثيرا- زوبعة كبيرة بمناسبة كتابته الجزء الثاني من «الجماعة-2» وقوله أن عبد الناصر كان عضوا بالإخوان في إحدى مراحل حياته بين 1944 و1948 . وقد شاهدت لقطة من المسلسل تظهر اجتماعا للضباط الأحرار ومناقشتهم العلاقة بالإخوان لم تقنعني علي الإطلاق. إن خطأ وحيد حامد ليس في سلامة الوقائع التي ذكرها، وإنما في تفسيرها وفهمها! إن مفتاح فهم شخصية عبد الناصر هو أنه كان كائنا سياسيا حتي النخاع، بكل ما تحويه تلك الكلمة من معان، وأذكر أنني سألت في عام 1985 الوزير الراحل المرحوم أمين هويدي، الذي عينه عبد الناصر وزيرا للحربية بعد هزيمة 1967 «هل كان عبد الناصر ميكيافيليا؟» فنظر لي مندهشا: «ميكيافيللي..؟ إن عبد الناصر يعلم ميكيافيللي كيف يكون مكيافيليا»! عبد الناصر إذن كان داهية سياسية، بمعني قدرته علي التعامل مع خصومه السياسيين واستعمالهم أو التخلص منهم في الوقت الذي يريده.
وهو في صعوده لحكم مصر صدر اللواء محمد نجيب علي رأس »الحركة المباركة« ثم أطاح به بلا هوادة. في هذا السياق العام وفي أثناء ترتيب عبد الناصر للانقلاب العسكري كان حريصا علي تحييد كل القوي السياسية النشيطة، فاستبعد الوفد تماما باعتباره رمز النظام القديم الذي أزاحه، ونسج علاقات محسوبة مع الإخوان ومع الشيوعيين مثلما كانت له من قبل علاقات مع مصر الفتاة، ولكن هذا لم يعن أنه كان إخوانيا أو شيوعيا أو فاشيا.فضلا عن أنه كان حريصا علي أن تكون له خيوطه مع الأمريكيين الذين شجعوا حركته في مواجهة التهديد الشيوعي للمنطقة.عبد الناصر استخدم الإخوان الذين تصوروا أنهم شركاء له ، و لكنه اختار منهم فقط الشيخ الباقوري ، ثم د. عبد العزيز كامل. و عندما تحركوا ضده نكل بهم كما لم ينكل بهم أحد من قبل! غير أن الأهم من ذلك كله أن سلوك عبدالناصر الشخصي والعام وخطبه العديدة تقطع بأنه لم يكن إخوانيا في أي مرحلة من حياته علي الإطلاق.