توقيت القاهرة المحلي 09:37:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ضبط زوايا مُخ!

  مصر اليوم -

ضبط زوايا مُخ

بقلم أسامة غريب

كنت أعبر بسيارتى وسط الزحام عندما لمحت امرأة عجوزا ضئيلة الحجم تنزل من الرصيف تحاول العبور، ثم ترتد إلى الخلف فى فزع، ثم تعاود المحاولة مرة أخرى. تكرر هذا الأمر منها عدة مرات دون فائدة، وأتاح بطء حركة السيارات لى أن أراها تنادى أمين الشرطة القريب، طالبة مساعدته. كان يقف وظهره إليها، ولا يبدو أنه سمعها. لا أدرى ما الذى أصابنى وأنا أراها تنادى الشرطى وتُلحف فى الرجاء أن يأخذ بيدها.. وجدت قلبى يدق بشدة وأنا أشعر بالخوف على هذه المرأة.. ليس فقط الخوف من أن تصدمها سيارة، وإنما قد تصورت- ولا أدرى لماذا- أن الشرطى سيلتفت إليها ضجراً بندائها المتواصل، ثم سيعبر الخطوتين اللتين تفصلانه عنها، وسيل من الشتائم ينهمر من فمه، ثم يركلها فى بطنها بحذائه الميرى، ويتركها على الرصيف تصارع الموت. عندما وصل بى سوء الظن إلى هذا الحد شاهدت نفسى أتحرك بعصبية داخل السيارة أريد أن أتوقف وأخف لمساعدتها قبل وقوع الكارثة. لكن لدهشتى وجدت الرجل يلتفت إليها، ثم يمسك بها فى رفق ويطويها تحت ذراعه ويعبر بها فى أمان.

أكملت طريقى إلى البيت وأنا مستغرب من نفسى، ما الذى جعلنى أتخيل هذا السيناريو المأساوى الذى لم تَبْدُ له أى شواهد؟ لماذا أسَأْتُ الظن بالرجل وتصورته وحشاً مفترساً، مع أنه كان كريماً للغاية مع السيدة العجوز، وتعامل معها كما لو كانت أمه؟!

عندما خلوت إلى نفسى وتأملت الأمر بهدوء أدركت أن توقعاتى المحدودة من رجال الشرطة فيما يخص حُسن معاملة الناس مرجعها الأساسى أننى علمت مؤخراً أن رجال الشرطة يأخذون دورات تعليمية فى حقوق الإنسان!.. ولكن هل أخْذ المرء كورسات فى حقوق الإنسان هو أمر يدعو إلى القلق أم يبعث الطمأنينة فى النفوس؟

فى اعتقادى أنه أمر مخيف للغاية ولا يدعو للراحة بأى حال، لأن الإنسان على فطرته الطبيعية لا يحتاج لمَن يُعلمه كيف يكون إنساناً.. القسوة هى التى تحتاج إلى مُعلم، والوحشية هى التى تحتاج إلى أستاذ، أما الإنسانية والرحمة فهما السلوك الطبيعى الذى لا يحتاج سوى أن يتركوا الفرد دون أن يُعلموه شيئاً!. وحتى يكون كلامى مفهوماً أكثر، سأضرب مثالاً بشخص يحمل معه شهادة من أطباء الأمراض العقلية والنفسية تفيد بأنه عاقل.. هل إشهار هذه الشهادة فى وجهك يحملك على الاطمئنان إلى التعامل مع صاحبها والوثوق به، أم أنها كفيلة بإثارة فزعك وانطلاق هواجسك نحوه؟ من المؤكد أنك لن تكون مطمئناً أبداً إلى عاقل بشهادة، لأن الأصل فى الإنسان أنه عاقل دون شهادات ودون كورسات حكمة ودروس اتزان وضبط زوايا مخ!

لهذا كله فقد أدهشنى الشرطى الطيب الذى أقدم على تصرف بسيط وطبيعى، فأثار دهشتى وارتباكى، حتى حسبته قد خرج إلينا مبعوثاً من أحد المسلسلات.

الأمر الأكيد أن هذا الشرطى لم يحصل على دورة تدريبية فى حقوق الإنسان من تلك الدورات التى يقدمها الخبراء الأمنيون لتلامذتهم، وإنما حصل على تربية عادية من أم طبيعية وأب عادى مثله مثل الملايين من أبناء هذا الشعب الطيب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضبط زوايا مُخ ضبط زوايا مُخ



GMT 04:59 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

العروبة والوحدة

GMT 04:59 2024 الإثنين ,01 تموز / يوليو

ليت قومى يعقلون

GMT 06:42 2024 السبت ,22 حزيران / يونيو

وارد بلاد برة

GMT 23:52 2024 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

مأمون الشناوي

GMT 03:14 2024 الجمعة ,14 حزيران / يونيو

الاتفاق العادل غير مطلوب

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
  مصر اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 10:15 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
  مصر اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 10:57 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

فوائد لا تصدق لقشور جوز الصنوبر

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة زوجة محمد صلاح بفيروس كورونا

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

"حبيب نورمحمدوف" إنجازات رياضية استثنائية وإرث مثير للجدل

GMT 08:45 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

القصة الكاملة لمرض الإعلامية بسمة وهبة الغامض

GMT 07:16 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الدواجن في مصر اليوم الإثنين 19 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 09:50 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

شقيقان بالإسكندرية يعانيان من مرض جلدى نادر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon